بحسب الإحصائيات المعلنة من منظمة حماية الطفل العالمية اليونيسيف تتزوج ٢١ بالمائة من النساء في العالم قبل بلوغ الثامنة عشرة وهو السن القانونية المتعارف عليها.
هذه الظاهرة الخطيرة مازالت تنتشر في الدول الفقيرة رغم كون زواج الطفلات مداناً في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وتبدو النسبة الأعلى في أفريقيا حيث تكاد تقترب من 40 بالمائة من مجموع الزيجات.
وفي سوريا نلاحظ عودة هاته الظاهرة بعدما كان المجتمع السوري قد تجاوز مراحل تطور على مدى عقود منذ خمسينيات القرن الماضي، أي بعد تعميم تعليم المرأة ودخولها سوق العمل في كافة المجالات.
وفي السنوات الأخيرة أي خلال مرحلة الثورة، ظهر تراجع في سلوك المجتمع السوري عموماً وعادت الحالات المرضية القديمة بشكل كبير، وهذا في كل ارجاء سوريا حتى في شمال شرق سوريا أي منطقة الادارة الذاتية التي تتوفر فيها نظرياً قوانين واقية نسبياً.
ولربما المشكلة ليست بالقوانين بل بصعوبة تطبيقها وسط الأوضاع الاقتصادية المأساوية وتراجع مستوى التعليم في كل أرجاء سوريا وغياب الأمن واستثمار المتطرفين للمأساة باسم الدين.
كل هذا جعل المخرج الوحيد لتأمين مستقبل لائق للأبناء هو اللجوء لأوروبا، وكما نسمع في الإعلام بات اللجوء حلم كل سوري مازال يعيش في سوريا أو دول الجوار حيث لا آفاق لتربية الأولاد هناك ولا إمكانات مادية لدى الأهالي لدفع أقساط الجامعات، هذا بالإضافة لانعدام فرص العمل للمتخرجين وللشباب المتعلمين.
كما دفع الجهل وكثرة الإنجاب والحالة الاقتصادية لدى الطبقات الفقيرة لتفاقم ظاهرة عمل الأطفال الذكور بحسب المعلومات الموثقة في لبنان وتركيا والداخل السوري. وبدل أن تكتفي الأسرة بولدين وأن يتحمل الأب والأم مسؤولياتهما لتأمين معيشة من أنجبوا، يقررون التكثير من الإنجاب بأعداد لا منطقية وهذا دون توقف أو مراقبة ويتنازلون عن كافة مسؤولياتهم.
وينتهي المطاف غالباً بالذكور في أسواق العمل أو التسول، أما البنات فمآلهن البيع باسم الزواج وهن طفلات.
يحدث هذا وسط الحجج الدينية والحروب التي تجعل من الولادة في سوريا مأساة لأي طفل، لأنه عملياً لا توجد قوانين تحمي الطفل لا في سوريا ولا في دول الجوار.
عمل الأطفال الذكور وتزويج الصغيرات هو من مظاهر التخلف المتفاقم في المجتمعات الفقيرة التي أفرزتها الحروب المحلية وفساد حكم الديكتاتوريات .
الخطاب العام يحمل النظام وحده مسؤولية تدني أخلاق ألمجتمع عموماً وفقر الحال، ولكن حتماً هناك جزء من المسؤولية يقع على عاتق الآباء كأفراد.
وبحسب دراسات اجتماعية، يؤدي زواج الطفلات لتفشي العنف الأسري وسوء تربية الأطفال، فكيف لطفلة أن تتحمل مسؤولية تربية أطفال مثلها، ناهيك عن المشكلات الصحية التي تتعرض لها بسبب الإنجاب دون توقف، وكثيراً ما أدى ذلك لوفاة الأم الطفلة.
لا أحد يسمي هذا الزواج تحرشاً أو اغتصاباً لطفلة، ويتعالى السياسيون عن الخوض في هذا الموضوع معتبرين أنه ثانوي.
ينتحر المجتمع السوري في دوامة المأساة ونحتاج لشجاعة كبيرة من نخبتنا لإخراجه منها.
تتوقع مناشير منظمة اليونيسيف العالمية تزويج ١٥٠ مليون طفلة قبل سن الثامنة عشرة من الآن وحتى العام ٢٠٣٠، إذا لم تلتحق مجتمعاتهن بركب الحضارة.
ومنذ قرن نسمع في العالم الثالث بمصطلح ركب الحضارة وضرورة اللحاق به ولكن قلائل في هذه الدول لمحوا هذا الركب، وبات الفارق واضحاً بالأرقام والإحصائيات بين الدول النامية التي تعمل على تطوير مجتمعاتها والدول التي بقيت متخلفة رافضة التغيير حكومةً وشعباً.
وسوريا نموذج حي عن كيفية جر نظام متخلف شعبه نحو القاع، وكيف بات الشعب فيما بعد يتسابق للنزول للقاع رافضاً الحضارة. وكيف أن النخبة الشعبوية تخاف على مواردها الخاصة أكثر من حرصها على المصلحة العامة.
ولا يأبه كثيرون في سوريا لتطور المجتمع معتبرين ذلك شأناً خارج نطاق العمل السياسي، وكثيرون يعيشون حالة ازدواجية مدمرة، يتحدثون عن فساد النظام ومسؤوليته عن منع التطور، ويصمتون بالمقابل عن الفساد عندما يتعلق الأمر بالمجتمع وبمعسكر المعارضة.
كثيرون كذلك من يعتبرون تطور المجتمع ووضع المرأة ثانوياً جداً، أو من يكتبون مطالبين بالحرية ولكنهم يرفضونها عندما تقترب من بناتهم وزوجاتهم.
معظم مثقفينا اللامعين منهمكون منذ عقود في شتم الإمبريالية، وأضافوا مؤخراً لمصطلحات الممانعة والصمود والتصدي مصطلحات شتم الحكام وأحياناً الأديان، لكن ماذا بعد الشتائم والنقد؟
هل من طروحات عملية بديلة عن مناهج الأنظمة المتخلفة؟ هل من برامج عمل جادة؟
ومع الواقع هذا، تصل لمنظمات محلية الملايين من الدولارات باسم القضية السورية والثورة، تصرف كلها معاشات لأفراد لا ينتجون شيئاً جدياً، وهذا في كل مكان. لربما يوفر هذا المال الخارجي تمويل بطالة مقنعة تحت بند بيع الولاء للمول.
وبينما تجار الإغاثة يستثمرون التخلف والفقر، يمتنع غالبية معارضينا عن الخوض في أي من القضايا الأساسية ككثرة الإنجاب وزواج القاصرات وتعدد الزوجات وتنظيم الأسرة.
ولكي يصمت الجميع عن فساد مال الإغاثة وتجارتها المقرفة، توجه الناشطون الجدد نحو الشعارات الفضفاضة متعاونين مع تجار الدين، وظهرت في كل أماكن الثورة منصات تسمح بتجاوز الحدود الإنسانية التي كان يعلم الجميع في الماضي أنها اجتماعياً ممنوعة كزواج الطفلات.
ولم يعد هناك ما يمنع أحداً من بيع طفلة باسم الزواج أو قتلها باسم الشرف لو رفضت، لم تعد هناك حدود لتغلغل الجهل.
وفي الإعلام العربي، أصبح السوري يصور على أنه متسول جاهل يبكي لقمة العيش في العراء أو في المخيمات وحوله ذرية من عشرات الأولاد خلفهم بدون تفكير ولا قيود.
والانفجار السكاني موضوع ممنوع الخوض فيه أيضاً لدى النظام الذي أهمل من بين ما أهمل الأسرة ومخطط تنظيمها، ولا أحد يسأل السوري لماذا تكثر الإنجاب إن لم يكن معك ثمن إطعام وتربية أولادك؟
ما هي المتعة في هذا الكم من الإنجاب؟ وبأي حق تفعل هذا؟ الإنجاب مسؤولية وتزويج الطفلات جريمة ضد الإنسانية وتشغيل الأطفال كذلك جريمة، تماماً كتلك الجرائم التي ارتكبها النظام.