تفاقم الظروف المعيشية لعائلات معتقلين في درعا لدى الحكومة

درعا- نورث برس

مضت أربعة أشهر على اعتقال الابن الأكبر لـ”أم عمار” (65 عاماً)، وهي سيدة من سكان ريف درعا الشرقي، جنوبي سوريا، ولا يزال مصيره مجهولاً ولم تتمكن والدته من معرفة مكان اعتقاله أو التهمة الموجهة إليه.

تقول الأم إن وضعهم المعيشي ازداد سوءاً بعد اعتقال المعيل الوحيد للعائلة، وذلك بعد التحاق شقيقه الأصغر بصفوف القوات الحكومية لتأدية الخدمة العسكرية الإجبارية منذ 2018 ووفاة والدهما منذ العام 2014.

واعتقل الشاب الذي يبلغ من العمر 37 عاماً من جانب أحد الأفرع الأمنية بريف درعا الشرقي، رغم أنه يحمل بطاقة تسوية منذ صيف العام 2018.

وراجعت الوالدة عدداً من الأفرع الأمنية في مدينة درعا لمعرفة مصير ابنها، لتعلم بعد دفع “رشوة” أن ولدها نُقل إلى معتقل في العاصمة دمشق.

والابن المعتقل متزوج ولديه ثلاثة أطفال وكان يتولى مسؤولية رعاية عائلته وعائلة شقيقه الأصغر الذي لم تسرحه القوات الحكومية بعد رغم انقضاء مدة التجنيد الأساسية التي تبلغ عامين.

كما كانت مسؤولية أختهما مسندة للشاب قبل اعتقاله، وذلك بعد مشكلات عائلية أدت لطلاقها.

وتشتكي عائلات معتقلين في درعا من تفاقم ظروفها المعيشية بسبب فقدان معيليها، كما أن دفع مبالغ مالية (قد تصل لملايين الليرات السورية) بهدف الكشف عن مصير أبنائها أو الإفراج عنهم يزيد أوضاعها سوءاً.

ويعيش 90 في المائة من السكّان في سوريا تحت خط الفقر، بحسب تصريحات لمارتن غريفيث مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية الشهر الفائت.

“وعود لم تنفذ”

وكان اتفاق التسوية بين قادة فصائل المعارضة السورية والقوات الحكومية برعاية روسيا صيف العام 2018، يتضمن وقف الاعتقالات بعد تسوية المطلوبين لأوضاعهم.

لكن سكاناً في درعا قالوا، لنورث برس، إن  الضامن الروسي لم يفي بتعهداته بوقف عمليات “الاعتقال التعسفي” التي أفضت في بعض الحالات إلى مقتل معتقلين تحت التعذيب في سجون حكومة دمشق.

وبحسب “مكتب توثيق الشهداء”، وهو منظمة محلية غير حكومية تتابع إحصاءات القتلى والمعتقلين في درعا، فإن عدد المعتقلين بعد التسوية الأولى بلغ 1.782 معتقلاً، بينهم من يحمل بطاقة تسوية “ولكنها لم تحمهم من الاعتقال”.

وبعد التسوية الثانية التي بدأت في أيلول/ سبتمبر الماضي وانتهت مطلع الشهر الجاري، بلغ عدد المعتقلين 64 شخصاً يحمل بعضهم بطاقة تسوية، وفقاً لما ذكره المكتب لنورث برس.

وكان منصور محمد (46 عاماً)، وهو اسم مستعار لمعتقل من درعا، يخدم في الشرطة المدنية التابعة للوزارة الداخلية في حكومة دمشق برتبة مساعد أول قبل أن ينشق عنها صيف العام 2013.

وأجرى عملية تسوية لوضعه صيف العام 2018 ليلتحق بعدها بمكان عمله السابق، حيث تم تحويله إلى أحد الأفرع الأمنية في دمشق.

وقالت زوجة “محمد”، لنورث برس، إنه تم تحويل زوجها منذ أكثر من عامين إلى سجن صيدنايا العسكري “سيء الصيت”، حيث سُمح لها بزيارته لأول مرة منتصف العام 2019.

وأضافت أنها تزوره مرة واحدة في الشهر لمدة لا تتعدى 15 دقيقة، مشيرة إلى عدم تقديمه للمحاكمة حتى الآن رغم تدهور صحته.

مقتل معتقلين

تقول الزوجة إنه ذكر في آخر زيارة مقتل سجين تعرفه تحت التعذيب في السجن.

وعندما علمت عائلته بالأمر، تقدموا بطلب لمركز النفوس للحصول على بيان عائلي، إذ أخبرهم الموظف أن المعتقل متوف ويمكنهم إصدار شهادة وفاة له.

ووفقاً “لمكتب توثيق الشهداء” فإن عدد من قتلوا في سجون الحكومة السورية منذ اندلاع الحرب  مطلع العام 2011 وحتى الآن، بلغ  1.380 معتقلاً وأن “أعداد كبيرة من الجثث لم تسلم لذويها، ليتم منحهم شهادة وفاة”.

وفي شباط/ فبراير الفائت، اعتقل فيصل محمد،  وهو اسم مستعار لشاب  من منطقة اللجاة بريف درعا الشرقي، تاركاً خلفه عائلة مكونة من 15 فرداً، بينهم12  طفلاً يبلغ أكبرهم 15 عاماً بينما لم تتجاوز الطفلة الصغرى عامها الأول، وثلاث زوجات.

وتقول إحدى الزوجات إن دورية تابعة لأحد الأفرع الأمنية اعتقلت “محمد” أثناء ذهابه إلى بلدة خبب غرب منطقة اللجاة لشراء بعض احتياجات المنزل، على الرغم من أنه يحمل بطاقة تسوية منذ العام 2018.

وتشير إلى أن العائلة علمت بعد شهر من اعتقاله أنه موجود في سجن عدرا المركزي شرق العاصمة دمشق.

وتقوم العائلة بزيارة “محمد” كل شهر وتأمين ما يقارب 60 ألف ليرة سورية لمصاريف احتياجاته في السجن، بالإضافة لتوكيل محامية لمتابعة وضعه “لكنه لم يقدم للمحاكمة حتى الآن”.

وتعمل الزوجات في المشاريع الزراعية لإعالة أطفالهن “ولكن أجرة العمل لا تكفي لإطعام كل الأطفال بسبب الغلاء وكثرة متطلبات الحياة”، بحسب قول إحداهن.

مسرحيات

والأحد الماضي، أفرجت الأجهزة الأمنية التابعة للقوات الحكومية عن 20 معتقلاً من درعا في صالة مجلس المحافظة.

وهذه الدفعة الخامسة التي يتم فيها الإفراج عن معتقلين من درعا تحت مسمى “مكرمة” من الرئيس السوري بشار الأسد.

وفي السابع والعشرين من حزيران/ يونيو الماضي، صدر عفو جماعي شمل 100 معتقل من درعا، فيما بلغ العدد الكلي للمفرج عنهم 192 معتقلاً منذ صيف العام 2018، بحسب “مكتب توثيق الشهداء” في درعا.

وقبل يومين، قال بيان للمكتب إن المفرج عنهم في الدفعة الخامسة هم من الموقوفين بشكل تعسفي من جانب الحواجز الحكومية، إلى جانب موقوفين بتهم جنائية.

وأشار إلى أن عدداً من المفرج عنهم لم تصدر بحقهم أي أحكام قضائية ولم توجه لهم أي اتهامات.

واعتبر محمود الزعبي، وهو اسم مستعار لمحام في درعا، الإفراج عن عدد من المعتقلين خلال العامين الماضيين “مسرحيات”.

وأضاف لنورث برس أن حكومة دمشق لم تفرج عن المعتقلين الذين تم اعتقالهم خلال عامي 2011 و 2012 ولم تكشف مصيرهم.

وأشار المحامي إلى أن عدداً من المعتقلين الذين تم الإفراج عنهم ضمن الدفعات الأخيرة، دفعوا مبالغ مالية وصلت في إحدى الحالات لأكثر من 20 مليون ليرة سورية، “رغم أنه لم يمض على اعتقال الشاب أكثر من شهرين ولم توجه له تهمة محددة”.

إعداد: إحسان محمد – تحرير: سوزدار محمد