عندما تكون ضحية ومنقذاً.. مربية تعلم أطفالاً لعائلات “داعش” في الحسكة

الحسكة- نورث برس

تقف خولة الخلف قرب السبورة التعليمية في مركز تأهيل في الحسكة، شمالي سوريا، لتعلم أطفالاً من عائلات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مبادئ القراءة والحساب، وذلك بعد سنوات من فقدانها زوجها في المعارك ضد التنظيم.

وفي غرفة مسبقة الصنع تستغرق المربية مع 15 طفلاً، تقول إنها تحبهم، وتتنقل بين إرشادات لآداب وسلوك وأهداف قيمية، ولا يخلو الدرس من الاستشهاد بآية قرآنية أو حديث شريف.

وفي الخامس والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، افتتحت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مركز “هلات” لتأهيل ورعاية الأطفال الذين قتل آباؤهم وأمهاتهم من عناصر “داعش” أو يقبعون في السجون التي تشرف عليها قوات سوريا الديمقراطية.

ويضم المركز ثماني مدربات ومربيات يمتلكن مهارات وخبرات التعامل مع الأطفال المشبعين بأفكار متشددة، بحسب إدارة مركز هلات.

ويدعم المشروع وحدات حماية المرأة بالتعاون مع التحالف الدولي (ضمن قوات سوريا الديمقراطية) لتوفير فرص تعليم وتأهيل لأطفال سجينات ممن عملن مع تنظيم “داعش” وخلاياه.

تقول “الخلف” إنها تسعى للمشاركة في تأمين مستقبل خال من التشدد والمعاناة لأطفالها الذين فقدوا والدهم وتلامذتها في المركز الذين ليس لهم أي ذنب في ما حدث.

ويضم المركز الآن 55 طفلاً من جنسيات أجنبية، تتراوح أعمارهم بين عامين و12 عاماً، ويداومون نهاراً في المركز الواقع في المدخل الشرقي لمدينة الحسكة، بينما يكون المساء موعد التقائهم مع أمهاتهم السجينات.

ويحتوي خمس غرف مسبقة الصنع، بعضها صفوف تعليمية وأخرى للعب الأطفال الصغار.

مربية في مركز لتأهيل أطفال قتلى ومعتقلي “داعش” في الحسكة- نورث برس

“فقدانه كسر ظهري”

وتتحدر عائلة المربية خولة الخلف (36 عاماً) من الحسكة، لكنها انتقلت رفقة زوجها المتحدر من دير الزور للعيش في مدينة الميادين قبل أن تعود مجدداً نتيجة سوء الأوضاع الأمنية هناك.

وعام 2016، التحق الزوج بقوات سوريا الديمقراطية إبان بدء حملتها لتحرير دير الزور من سيطرة التنظيم.

 تروي الزوجة أنه كان يقول حينها أن هدفه من المشاركة في الحملة هو “رفع الظلم عن الناس”.

وفي العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2017، فقد الزوج حياته مع ثمانية من رفاقه في تفجير مُفخخة بمنطقة دوار المعامل، سبعة كيلومترات شمال دير الزور المدينة.

 وتقول قوات سوريا الديمقراطية إنها قدمت “11 ألف شهيد” في معاركها ضد تنظيم “داعش” والهجمات التركية على الأراضي السورية.

ولخولة أربعة أطفال، أكبرهم في الحادية عشرة، بينما يبلغ الأصغر خمس سنوات “ولم يتعرف على والده الذي فارق الحياة وهو رضيع بعمر تسعة أشهر”.

“بقيت مصدومة لمدة طويلة، ازدادت مسؤولياتي في رعاية أطفالي (..) فقدانه كسر ظهري”.

وأمضت المرأة خمس سنوات “صعبة” من حيث المعيشة والعمل في متجر للأغذية وآخر للألبسة بهدف تأمين حياة كريمة لأطفالها الأربعة، إلى جانب تأثير التنقل من منزل لآخر وغيابها في ساعات عملها عن أطفالها.

أطفال لقتلى ومعتقلي “داعش” مع معلمة في مركز تأهيل في الحسكة- نورث برس

“أبرياء يجب إنقاذهم”

وأثناء بحثها عن عمل مناسب، زارت خولة المركز للمرة الأولى، وحين علمت بأوضاع الأطفال والهدف من تأهيلهم “تكونت لدي رغبة في رعايتهم”.

تقول: “هؤلاء الأطفال ليس لهم أي ذنب، ولم يختاروا آباءهم وأمهاتهم”.

وتضيف أن السبب في فقدان أطفالها لوالدهم وفقدان الكثير من الشباب في سوريا هو “الفكر الداعشي”، وهو ما تحاول تخليص الأطفال منه خلال عملها بالمركز.

ويتلقى الأطفال إلى جانب رعايتهم دروساً في الحساب واللغتين العربية والإنكليزية، بالإضافة لأنشطة الموسيقى والرسم والرياضة.

وتبدو خولة ملمة باللغة الإنكليزية والرياضيات إلى جانب أن ثقافتها الدينية تساعدها في التأثير على أنماط السلوك عبر كسب محبة وتقبل الأطفال، “نحن مسلمون قبل أن يخلق التنظيم ويتسبب بالكوارث”.

وخلال أشهر ثلاثة سبقت الافتتاح وأيام بعده، تعتبر المربية أن المركز أنجز ربع مهمته في تغيير التشدد المزروع في أذهان الأطفال، من خلال خلق تفاعل بينهم والمربين والبدء بأنشطة ودروس.

وأشارت إلى أن ضعف إمكانات المركز يعيق التأثير بشكل كبير على الأطفال، “فهم يقضون في المركز ثماني ساعات ويعودون الى أمهاتهم في المعتقل حيث يعود تأثير التطرف خلال 16 ساعة”.

وتعيش أمهات هؤلاء الأطفال في سجن خاص بالنساء (تشرف عليه قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي)، بعد قيامهن بأعمال إجرامية ومحاولات فرار وقتل في مخيم الهول شرق الحسكة.

كما أن بعض الأطفال أيتام الأبوين نتيجة المعارك التي خاضها التنظيم أواخر زمن سيطرته على مناطق سورية.

طفلان لسجناء معتقلي تنظيم “داعش” الأجانب مع معلمتهم بمركز تأهيل في الحسكة- نورث برس

معوقات ومخاطر

وتقول بروين العلي، وهي إدارية في مركز هلات، إن المنظمات العاملة في المجال الإنساني لم تقدم أي دعم للمركز.

وترى أن من غير الطبيعي تواجد الأطفال في السجون رفقة أمهاتهم، ولا بد من إخراجهم حتى يتعايشوا بشكل سليم مع المجتمع.

“الأطفال كانوا عنيفين جداً، ولكن خلال فترة تجريبية قبل الإعلان عن افتتاح المركز، تحقق نوع من التغيير”.

وأشارت “العلي” إلى صعوبة تتمثل في “التعامل مع الأطفال الصغار الذين لا يتقنون العربية، فيتم التعامل معهم عبر الإشارات والإيحاءات”.

بينما تواجه المربيات صعوبات أكبر في التعامل مع أطفال كبار نسبياً (بين عشرة أعوام و12 عاماً)، “فقد تم تلقينهم فكر داعش خلال سنوات طويلة”.

وبعد تجاوز سن الثانية عشرة، يلتحق الأطفال الذكور بمركز “هوري” للتأهيل في ريف القامشلي.

وكشفت “العلي” عن مشروع متمم لاحتواء الإناث في أعمار تتراوح بين 12 و18 عاماً.

وحذرت من إهمال إعادة تأهيل هذا الجيل بشكل جيد، “فذلك سيشكل بعد عدة سنوات خطراً على مختلف بقاع الأرض”.

ذلك ما يبدو حقيقة بنظر المربية خولة أيضاً، “ترك هؤلاء الأطفال سيسبب مخاطر كثيرة، وإذا بقوا بهذا الفكر المتشدد ستكون النتيجة مصيبة كبيرة”.

وتأمل هي ومربون آخرون في المركز “إنشاء جيل مسالم ينفع نفسه والمجتمع”.

وتضيف: “أتمنى أن تكون أيامهم أفضل من أيامنا وأن نتمكن من تغيير أفكار التطرف”.

إعداد: جيندار عبدالقادر- تحرير: حكيم أحمد