دمشق ـ نورث برس
رغم المسار التصاعدي الذي تشير إليه أرقام الموازنات العامة في سوريا وفق تقديراتها بالليرة السورية، إلا أنها في الواقع كانت تشهد تراجعاً مستمراً يظهر حين مقارنتها بالدولار، نتيجة التدهور المتواصل في سعر صرف العملة المحلية.
وشدد سامر الدن وهو اسم مستعار لخبير اقتصادي يعيش في دمشق، على أن موازنة العام 2022 عاكست هذا المسار، وسجلت ارتفاعاً “طفيفا” في إجمالي اعتمادها، وذلك قياساً مع الأعوام السابقة وباعتماد سعر الدولار الوسطي.
ويأتي هذا رغم الصعوبة في وضع أرقام دقيقة للارتفاع، نظراً للتذبذب الحاد أحياناً في أسعار الصرف حسب قيمته الحقيقية في السوق، وليس تلك المعلنة رسمياً، (والثابتة منذ أكثر من عام)، بحسب الخبير.
ووصلت تلك الموازنة إلى اللجنة المختصة في مجلس الشعب مطلع العام الجاري، بعد أن أقرها المجلس الأعلى للتخطيط في التاسع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وسجلت تلك الموازنة زيادة تفوق 50% عن مثليتها عام 2021، وفق التقديرات بالعملة المحلية، إذ أن موازنة 2022، بلغت 13 تريليوناً، و325 مليار ليرة سورية، بينما كانت موازنة العام السابق 8 تريليونات و500 مليار ليرة.
وبذلك تبلغ نسبة الزيادة 56.7% اعتماداً على التقديرات بالعملة المحلية، وهو ما دفع بعض المحللين لوصفها بأنه موازنة ضخمة.
لكن نسبة الزيادة في الواقع “أقل بكثير”، وذلك اعتماداً على الأسعار الثابتة، وأخذاً في الاعتبار أسعار الصرف، حسب “الدن”.
ووفق التقديرات بالدولار، فموازنة 2021 كانت بحدود 3.7 مليار دولار (وفقاً لوسطي سعر الصرف في تشرين الأول عام 2020 حين إقرار تلك الموازنة والذي كان مقدراً بـ 2300 ليرة).
وموازنة العام 2022 تعادل 3.9 مليار ليرة، (باحتساب وسطي سعر الصرف حاليا عند 3400 ليرة) أي أن قيمة الزيادة الفعلية تعادل 200 مليون دولار، وبنسبة زيادة تعادل 5.4%.
رفع الدعم “المزدوج”
حسب بنود الموازنة التي أعلنها وزير المالية في الحكومة السورية، كنان ياغي، فإن قيمة الدعم في موازنة 2022 زادت إلى 5529 مليار ليرة، من 3500 مليار ليرة في موازنة 2021، وهو ما يشير إلى زيادة بنسبة تقدر بنحو 58% (57.9%).
ولكن اعتماد الحساب بما يعادل تلك القيم حسب القيمة الحقيقية لليرة وباعتماد سعر الصرف يظهر أن نسبة الزيادة أقل من ذلك بكثير، إذ كانت قيمة الدعم في موازنة 2021 تعادل 1.5 مليار دولار، ارتفعت إلى 1.6 ملياراً في 2022، وبنسبة زيادة بنحو 6.6%.
ويأتي ذلك، حسب “الدن”، وسط اتجاه واضح وشبه معلن عن رفع الدعم بشكل كامل، وهو ما يحقق لتلك الموازنة بعض “الفوائض” التي لم تعلن.
وأضاف الخبير الاقتصادي: “فارتفاع الأسعار لم يستثن أي مادة مدعومة، بل إن بعض المواد زاد سعرها حتى عن أسعار مثيلاتها خارج سوريا”.
وشبه “الدن” الأمر بأنه “تحرير شبه كامل لأسعار السلع المدعومة بدءاً من الخبز، وليس انتهاء بالمشتقات النفطية”.
وأشار إلى أن الموازنات في سوريا صارت أشبه بالبيانات الوزارية، “عبارة عن كلام عام، ووعود فضفاضة، دون حسيب أو رقيب، فهناك غياب كامل لما يُعرف بقطع الحسابات منذ عام 2013.
ويعني ذلك، بحسب الخبير، أن تلك الموازنات “التقديرية”، لا يلحق بها قطع حسابات، يشير إلى جوانب الإنفاق الحقيقية، ويبين أوجه الإنفاق والإيرادات الحقيقية.
وفي وقت سابق قال ياغي، إن دعم المشتقات النفطية يقع في قائمة المواد المخصصة بالدعم في الموازنة، حيث بلغت مخصصاتها نحو ألفين و700 مليار ليرة، يليها الدقيق التمويني بمبلغ ألفين و400 مليار ليرة.
ومن المواد المخصصة بالدعم، السكر والرز بـ 300 مليار ليرة، إضافة إلى 50 مليار ليرة لصندوق دعم الإنتاج الزراعي، ومثلها لصندوق المعونة الاجتماعية، و30 مليار ليرة لصندوق الري الحديث وصندوق الجفاف.

وأعلن ياغي أمام مجلس الشعب أن “مشروع الموازنة ركز أيضاً على تأمين متطلبات الجيش والقوات المسلحة وتعزيز صموده، والاستمرار باتخاذ الإجراءات لتحسين معيشة المواطن وإعادة هيكلة الدعم، وإيصاله لمستحقيه”.
ومن ضمن مفردات هذه الموازنة أيضاً، إعادة ترتيب أولويات الإنفاق بما يضمن الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، والنهوض بالعملية الإنتاجية.
كما يكفل “دعم وتحفيز القطاع الزراعي والصناعي والسياحي بما يحقق تنمية هذه القطاعات ويوفر فرص عمل جديدة وزيادة الإنتاج وتأمين حاجة السوق المحلية والتصدير”.
وقدر وزير المالية عجز موازنة 2022 بمبلغ يصل إلى أربعة آلاف و118 مليار ليرة، وذلك عن طريق اقتراض 600 مليار ليرة من سندات خزينة الدولة، و500 مليون ليرة من “موارد خارجية”.
بينما سيُغطى باقي العجز عن طريق مصرف سوريا المركزي كاعتمادات مأخوذة من الاحتياطي لدى المصرف.
وقال شفيق عربش وهو استاذ في كلية الاقتصاد، لوسيلة إعلام محلية، إن غالبية إيرادات الدولة تأتي من الضرائب وأملاكها المستثمرة والفوائض المحولة من القطاع العام.
وشدد على أن الضرائب في أدنى مستوياتها، ويجب أن تكون 3.5 تريليون ليرة كحد أدنى في هذه الموازنة.
وظهرت الكثير من الآراء الاقتصادية، التي تشير إلى بعد أرقام الموازنة عن الواقع وعن إمكانية التنفيذ، بسبب ضعف الموارد، ونقص الطاقة.

موازنات متناقصة
شهدت الموازنات في سوريا خلال السنوات القليلة الماضية تراجعاً مستمراً، في القيمة الحقيقية لها، وإن كانت تبدو متزايدة حسب القيم المعلنة بالعملة السورية.
وموازنة عام 2019 بلغت قيمتها 3882 مليار ليرة، وكانت تعادل وفقاً لسعر صرف الليرة أمام الدولار في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2018، نحو 8.6 مليار دولار.
وموازنة 2020 كانت قيمتها 4 تريليونات ليرة، ما كان يعادل 6.1 مليار دولار، وفقاً لسعر صرف الدولار الذي كان عند 650 ليرة وسطياً في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2019.
أما موازنة عام 2021 فكانت مقدرة بـ 8.5 تريليون ليرة، ما كان يعادل 3.6 مليار دولار، وفقاً لسعر الصرف في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2020 المقدر وسطياً بـ 2300 ليرة.
في حين أن موازنة 2022 جاءت بقيمة إجمالية تعادل 13325 مليار ليرة، أي ما يعادل نحو 3.9 مليار دولار، وفقاً لوسطي سعر الصرف المقدر حالياً بنحو 3400 ليرة.