اعتماد الليرة التركية وانهيار قيمتها يحملان مزارعي سهل الروج في إدلب تكاليف إضافية
إدلب– نورث برس
يحرث محمود العليوي، وهو مزارع في منطقة سهل الروج غرب إدلب، شمال غربي سوريا، أرضه لزراعتها بمحصول حبة البركة مع اقتراب موعد الزراعات الشتوية.
لكن المزارع، كحال عشرات المزارعين في منطقته، اصطدم بأسعار المستلزمات الزراعية التي تشهد “ارتفاعاً كبيراً” بالتزامن مع انهيار قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأميركي.
يحدث هذا وسط عجز معظم المزارعين عن تأمين تكاليف زراعاتهم، ولا سيما أنهم تعرضوا لخسائر العام الماضي بسبب أمراض فطرية أصابت محاصيلهم وأتلفت مساحات منها.
ويجمع سكان ومزارعون وعمال مياومة في مدينة إدلب على أن التداول بالعملة التركية وانهيار قيمتها زاد من وضعهم سوءاً، وذلك لما رافقها من ارتفاع أسعار جميع المواد أضعافاً مضاعفة.
والسبت الماضي، وصل سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار 10 ليرات، في حين سجل مقابل الليرة السورية 353 ليرة، بحسب موقع الليرة اليوم المتخصص بأسعار العملات.
ويعتبر الانخفاض الذي سجلته الليرة التركية منذ أسبوعين مستوى قياسياً على خلفية قرار البنك المركزي التركي خفض سعر الفائدة الرئيسي وأزمات دبلوماسية مع دول غربية.
ومنذ حزيران/ يونيو من العام الماضي، صدر قرار من حكومتي السورية المؤقتة والإنقاذ باستعمال العملة التركية بدلاً من الليرة السورية التي شهدت حينها انهياراً كبيراً وصل إلى نحو خمسة آلاف ليرة سورية مقابل كل دولار أميركي.
ويقع سهل الروج، الذي تعد الزراعة فيه مصدر الدخل الوحيد لمعظم سكان المنطقة، بين جبل الزاوية والجبل الوسطاني جنوب إدلب، ويمتد من سهل الغاب جنوباً حتّى بلدتي ملس وأرمناز شمالاً.
وتبلغ مساحة سهل الروج 13.100 هكتار ويمتاز بتربته الخصبة، وكان يشتهر سابقاً بزراعة أنواع مختلفة من الخضراوات وتصديرها إلى كافة المحافظات السورية.
أسعار باهظة
يقول مزارعون في المنطقة إن أسعار مستلزمات الزراعة هذا العام “مرتفعة جداً وباهظة” مقارنة مع الأعوام الماضية، إذ تتراوح أجرة حراثة الدونم ما بين 70 و 80 ليرة تركية (28 ألف ليرة سورية)، وتبلغ تكاليف بذار الدونم الواحد نحو 60 ليرة تركية.
كما يتجاوز سعر كيس السماد (50 كيلوغراماً) 30 دولاراً، فيما وصل سعر برميل المازوت إلى 180 دولاراً، في حين يباع الطن الواحد من بذار القمح بـ400 دولار.
والسبت الماضي وتزامناً مع وصول سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار إلى 10 ليرات، رفعت شركة وتد للبترول التابعة لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، سعر ليتر البنزين المستورد نوع أول إلى 8.46 ليرة تركية (2900 ليرة سورية) وليتر المازوت “مستورد أول” إلى 8.15 ليرة (2800 ليرة سورية.(
فيما رفعت سعر ليتر المازوت “مستورد ثاني” إلى 6.21 ليرة (2200 ليرة سورية)، وليتر المازوت “مكرر أول” إلى 5.15 ليرة تركية (1800 ليرة سورية).
وتحتكر “وتد”، التي أنشأتها حكومة الإنقاذ الجناح المدني لهيئة تحرير الشام قبل نحو عامين، استيراد المحروقات إلى إدلب.
وأجبر ارتفاع مستلزمات الزراعة غالبية مزارعي المنطقة للاستدانة لزراعة أراضيهم، لا سيما أنهم تعرضوا لخسائر خلال الموسم الماضي بسبب الأمراض الفطرية التي أصابت محاصيلهم وأتلفت مساحات كبيرة منها.
والموسم الفائت، تعرضت محاصيل الكمون وحبة البركة والقمح لأمراض فطرية أدت إلى تضرر كميات كبيرة من المساحات المزروعة، لا سيما في منطقتي سهل الروج وبنش شرق إدلب، في ظل عدم قدرة المزارعين على مكافحتها لارتفاع أسعار الأدوية الخاصة بها.
واستدان “العليوي” الذي يملك 20 دونماً، هذا العام 1500 دولار فقط من أجل حراثة الأرض وشراء البذار والأسمدة، وذلك بعد تسببت الأمراض الفطرية بتلف نحو 70 % من محصوله من الكمون في العام الفائت، “وتجاوزت خسارته حينها خمسة آلاف دولار”.
تقلص مساحات
ودفع ارتفاع أسعار ضمان الأراضي أو استئجارها، بالإضافة لغلاء بذور القمح والشعير والعدس وخسائر العام الماضي، مأمون الحميد (46 عاماً)، وهو مزارع في بلدة سيجر بسهل الروج، لتقليص المساحة المزروعة لديه.
وعلى الرغم من المساحة القليلة، استدان المزارع من أحد أقاربه مبلغاً مالياً لاستئجارها، حيث يصل سعر إيجار الدونم الواحد إلى نحو 75 دولاراً أميركياً.
يقول “الحميد” إن غالبية المزارعين في المنطقة سيكون تفكيرهم في الفترة القادمة من ناحية الزراعة واستثمار الأراضي محصوراً في أرباح قليلة أو “كفاف العيش فحسب”، في ظل الأزمة المعيشية والعسكرية التي تعصف بالمنطقة.
ويضيف: “إذا كان المزارع ناجحاً يمكنه تحصيل رأس ماله فقط هذه الأعوام، لكن لا يمكننا ترك مهنتنا الوحيدة حتى لو كنا واثقين في بعض الأحيان من الخسارة”.
ولم يكن حال يوسف الفرج (37 عاماً)، وهو مزارع من سهل الروج أفضل من سابقيه، حيث اضطر هو الآخر إلى استدانة المال لتأمين تجهيزات زراعة موسم القمح من أحد التجار من سكان قريته، على أمل أن يسددها عند حصاده للموسم.
لكن التاجر رفض أن يعطيه البذور والأسمدة بسعرها الحالي، فطلب مبلغ 150 دولاراً إضافياً “بحجة أن الأسعار غير ثابتة وأن موعد الحصاد بعيد”.
يقول “الفرج” إنه كان مضطراً للموافقة على شروط التاجر، “فأنا اليوم إن لم أقم بزراعة أرضي لن أتمكن من إطعام أطفالي”.
ويضيف: “وفي نهاية الموسم إن كان جيداً يمكنني أن أوفر مبلغ 500 دولار بعد تعب ستة أشهر، وهي مصاريف شهرين لعائلتي الصغيرة”.