نقص في مستلزمات زراعة المحاصيل بريف الحسكة وسط استمرار الجفاف

ريف الحسكة– نورث برس

على أطراف مدينة الدرباسية شمال الحسكة، شمال شرقي سوريا، ينظر المزارع كانيوار مجدل بيأس إلى حقله المزروع بالقمح، متكهناً بموسم “كارثي” كما سابقه، في ظل تأخر هطول الأمطار وعدم حصوله على مستحقاته من وقود المازوت (الديزل) حتى الآن لتشغيل بئره للسقاية.

ويتخوف المزارعون في مناطق شمال شرقي سوريا من تكرار سيناريو الجفاف الذي حصل العام الفائت، ما ألحق ضرراً بمحاصيلهم الزراعية إضافة لخسائر مادية كبيرة وقعت على كاهلهم.

لكن أبرز التحديات التي تواجه المزارعين هذا العام، هو عدم صرف لجنة الزراعة في الإدارة الذاتية لمستحقاتهم من المازوت والبذار والسماد بالشكل الكافي للموسم الحالي حتى الآن.

ويقول المزارع الثلاثيني بلغته الكردية، بينما يغطي التراب ثيابه وسط الحقل: “رغم الأجواء التي توحي بسنة جفاف جديدة، لكن بدأنا بزراعة مختلف أصناف المزروعات الشتوية”.

ويضيف: “ليس هناك وعود بتوزيع المحروقات علينا حتى الآن، وهذا الأمر يشكل خسارة كبيرة لنا”.

وتدعم الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، المزارعين بوقود المازوت بأسعار مدعومة (75 ليرة سورية لليتر الواحد)، إلا أن تأخر التوزيع هذا العام وقلة الكميات، دفع الكثير من المزارعين لشراء المازوت من السوق السوداء لتسيير أمور الحراثة وتشغيل الآبار الزراعية.

وقام “مجدل” الذي قام برش بذار القمح على مساحة 1800 دونم في المنطقة بشراء 90 % من الكمية اللازمة من الوقود للجرار الزراعي لحراثة أرضه من السوق السوداء، بعد أن منحته لجنة الزراعة 1000 ليتر”.

واشترى المزارع ليتر المازوت بسعر 410 ليرة سورية، لسقاية محاصيله من القمح والفول والكزبرة والحلبة.

“موسم كارثي”

لكن إلى جانب غلاء أسعار المحروقات، يشير “مجدل” إلى أن هناك تحديات مصاريف أخرى، مثل غلاء الأيدي العاملة ومطالبة أصحاب الجرارات الزراعية بـ 15 ألف ليرة مقابل حراثة كل دونم.

ويقول: “إذا لم يتم دعم المزارعين بالمحروقات لنهاية الشهر القادم، فسيكون موسماً كارثياً مجدداً”.

وشهدت الجزيرة السورية التي تعرف بـ “سلة سوريا الغذائية” تراجعاً في إنتاج المحاصيل الاستراتيجية (القمح والشعير) خلال الموسم الفائت، بسبب الانحباس المطري وانخفاض منسوب مياه نهر الفرات بسبب حجز تركيا تدفق النهر باتجاه الأراضي السورية.

مخاوف المزارعين بموسم زراعي يماثل سابقه، باتت حديث الشارع في منطقة الدرباسية التي تعتبر من أهم المناطق الزراعية في الجزيرة.

ويرجع صالح معمي، الرئيس المشارك للجنة الزراعة والثروة الحيوانية في الدرباسية، سبب تأخر توزيع مستلزمات الزراعة وقلتها إلى “الضغط الكبير على مؤسساتنا بسبب الجفاف الذي شهدته المنطقة العام الفائت والذي أثر سلباً على الموسم الحالي”.

ويشير إلى أن هناك ازدياداً في عدد الرخص والتنظيمات الزراعية هذا العام، إضافة إلى ازدياد الرخص على الآبار الزراعية التي جاءت بعد عام جاف.

وبحسب “معمي”، فإن ازدياد عدد الآبار “يفوق الإمكانات، كمية المحروقات قليلة جداً، مقارنة مع المساحات المزروعة”.

ومن المتوقع أن يصل عدد الآبار الزراعية المرخصة في الدرباسية إلى 1700 بئر زراعي مقارنة مع العام الفائت حيث كانت 1550 بئراً، وفقاً للجنة الزراعة هناك.

كما توقع الرئيس المشارك للجنة الزراعة أن تتجاوز المساحات المزروعة بالقمح 350 ألف دونم للموسم الحالي في منطقة الدرباسية.

“كميات قليلة”

وكل عام توزع لجنة الزراعة في الدرباسية 4500 طن من البذار وسطياً، لكن هذا العام وزعت كمية 1100 طن، “وهذه كمية قليلة ولا تتجاوز 20 % من المساحات الموجودة بالدرباسية”، بحسب “معمي”.

وفي وقت سابق من الشهر الجاري، قال سلمان بارودو، الرئيس المشارك لهيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية، إن كمية بذار القمح الموجود في مستودعات الإدارة لا تكفي لكل المزارعين في المنطقة.

وأشار “بارودو”، حينها، إلى أن الهيئة جهزت 34 ألف طن من القمح لبذار الموسم القادم وهي “كمية أقل من احتياجات المزارعين”.

وحددت الإدارة الذاتية سعر بذار القمح بـ 1200 ليرة سورية، في حين وصل سعر الكيلو غرام الواحد منه في  السوق الحرة إلى  1700 ليرة، بعد أن كان بحدود 1200 ليرة بداية العام.

والأربعاء الماضي، أعلنت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، عن إرسالها ما يقارب ثلاثة آلاف طن من بذار القمح لزراعته في شمال شرقي سوريا، “ولتصبح خبز العام القادم”.

وقال “بارودو” إن الكمية المقدمة من الوكالة الأميركية مرّحب بها، “ولكنها لا تسد النقص الحاصل في كمية البذار.”

ووفقاً للرئيس المشارك لهيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية، فإن الإدارة وزعت على المزارعين كمية 35 ألف طن من بذار القمح في حين أن الاحتياجات الحقيقية للمزارعين تتجاوز 50 ألف طن.

“مصدر رزقنا”

وعلى بعد ثمانية كيلومترات جنوب مدينة الدرباسية، تتلطخ أيدي المزارع محمد فندي بزيوت محرك المياه بعد تشغيله بغرض سقاية محصوله من القمح والكزبرة عبر رذاذات المياه.

يقول إن الموسم الزراعي لهذا العام ينذر بصعوبات تهدد بـ”الفشل”، وذلك جراء شراء مستلزمات حقله كاملة من السوق السوداء.

ولم يستلم “فندي” مستحقاته من البذار والمحروقات والأسمدة حتى الآن، لذا اضطر كغيره لشرائها من السوق السوداء، “حتى لا نخسر هذه المحاصيل”.

ويطالب المزارعون في الدرباسية كما باقي مناطق شمال شرقي سوريا بتوفير مستلزمات الزراعة، فشراؤها من السوق الحرة يعد “خسارة كبيرة”.

لكن الرئيس المشارك للجنة الزراعة والثروة الحيوانية في الدرباسية، قال إن مطالبات المزارعين بخصوص السماد والبذار والمحروقات “محقة ولكن الكميات الموجودة قليلة وتوزع وفق الإمكانات المتاحة”.

ويعد غلاء وفقدان مادة السماد في المستودعات من أبرز الصعوبات التي تواجه المزارعين في الموسم الحالي، ليبقى شراؤها من السوق السوداء الخيار الوحيد.

وتوزع لجنة الزراعة في الدرباسية السماد على المزارعين بسعر 500 دولار للطن الواحد، وتقول إنه سعر التكلفة لاستيراده ونقله.

لكن المواسم الزراعية لها تاريخ وتوقيت معين، وإذا لم يتم توفير المواد المطلوبة سوف يتضرر الموسم الزراعي، “ونخسر مصدر رزقنا”، بحسب مزارعين في المنطقة.

إعداد: دلسوز يوسف- تحرير: سوزدار محمد