“ترسيم” الحواجز الحكومية يعيق أعمالاً صناعية شمال حلب
حلب- نورث برس
يقول أصحاب منشآت صناعية في ريف حلب الشمالي إن المبالغ التي تفرضها الحواجز الحكومية عليهم باسم “الترسيم” باتت تشكل عائقاً أمام استمرارية عمل منشآتهم التي لم يمر وقت طويل على تأهيلها وإعادتها للعمل.
ويشير هؤلاء إلى أن المشكلات التي تواجه العمل الصناعي لم تعد تقتصر على نقص المحروقات وغياب الطاقة الكهربائية بل باتت الحواجز الحكومية المخصصة للترسيم تمثل “أكبر العقبات”.
ومن دوار الليرمون الذي يعد مدخل حلب إلى ريفها الشمالي وصولاً إلى مدينة تل رفعت، تنتشر أربعة حواجز حكومية، ثلاثة منها تابعة للفرقة الرابعة، تخضع المواد الأولية الواردة وإنتاج المنشآت الصادر للتدقيق ودفع الرسوم.
فيما يقوم الحاجز الرابع التابع لأمن الدولة بتدقيق الهويات الشخصية للمسافرين وأخذ “إكراميات” من أصحاب البضائع، وفقاً لسائقين يعملون بين حلب وريفها الشمالي.
وقال منصور دهان (62 عاماَ)، وهو صاحب منشأة لخراطة المعادن في بلدة كفر حمرة شمال حلب، إنه يدفع عن كل طن واحد من الحديد يرد إلى منشأته عشرة آلاف ليرة سورية.
أما فيما يتعلق بإنتاج منشآته من براغي صناعية ومستلزمات للآلات الزراعية وغيرها من المنتجات الصادرة إلى أسواق حلب، فقد تصل الرسوم إلى 500 ألف ليرة لبضائع لا يتجاوز وزنها 600 كغ، وفقاً لما ذكره صاحب المنشأة لنورث برس.
ويشير “دهان” إلى أن دخول أي مادة حديد إلى منشآته تحتاج إلى موافقة خاصة من إدارة الحاجز وبيانات جمركية، “هذا عدا عن موافقات غرفة صناعة حلب والمحافظة وحتى بلدية كفر حمرة”.
“الحواجز شريكة معنا”
وعام 2012، سيطرت فصائل معارضة مسلّحة على منطقة ريف حلب الشمالي ومنطقة الليرمون للمرة الأولى بعد اشتباكات مع القوات الحكومية وشهدت على إثرها قصفاً متبادلاً بين الجانبين.
واستعادت فصائل المعارضة سيطرتها على منطقة الليرمون في النصف الأول من عام 2015، بعد أن فقدتها لصالح القوات الحكومية، في بداية العام نفسه.
وبعد العام 2015، تناوبت قوات الحكومة السورية وفصائل المعارضة المسلحة في السيطرة على المنطقة، إلى أن القوات الحكومية سيطرت بشكل كامل في شباط/ فبراير العام الماضي بعد تقدمها باتجاه كفرحمرة وحريتان ومناطق أخرى في الريف الشمالي الغربي لحلب.
وبعد خروج الفصائل من معظم أجزاء الريف الشمالي لحلب، قام “دهان” بإعادة تأهيل منشأته التي توقفت عن العمل من العام 2013 وحتى بداية العام 2020، وذلك بالرغم من عدم توفر مقومات العمل بشكل كافي خاصة مع تضرر الآلات وغياب التيار الكهربائي.
ويشير إلى أنه عاد للعمل على أمل تحسن تدريجي قد يطرأ على حركة الأسواق وانعكاس ذلك على طاقة المنشأة الإنتاجية، “لكن تلك الحسابات لم تتطابق مع الواقع”.
يضيف “دهان” بنبرة استياء: “عملياً الحواجز شريكة وتأخذ حصتها بلا تعب ودون خسارة، أفكر جدياً بإغلاق المنشأة نهائياً”.
وقبل الحرب السورية، كانت منطقة الليرمون بحلب تضم حوالي 200 منشأة، لكن عددها حالياً لا يتعدى 25 منشأة، بحسب صناعيين محليين.
ويتحسر أصحاب منشآت صناعية على فقدان حلب خيرة صناعييها في ظل عجز الحكومة عن النهوض بأحد أهم القطاعات الاقتصادية والإنتاجية في سوريا عامة وفي حلب خاصة.
وخلال الأعوام الماضية، قام بعض أصحاب المعامل والمنشآت في حلب بإغلاق معاملهم ونقل أعمالهم إلى خارج سوريا، برفقة نخبة من العمال والحرفيين وأصحاب المهارات والخبرات العالية.
منشآت مغلقة
ويستخدم عبد اللطيف حمزة (45 عاماً)، وهو صاحب مقلع أحجار ومعمل لتصنيع حجر الرخام في منطقة الطامورة بريف حلب الشمالي، مولدة ديزل كبيرة لتشغيل المعدات والآلات.
وقبل عدة أيام، تعطلت المولدة واضطر لنقلها لمدينة حلب من أجل الصيانة، لكن “لم يُسمح لي بالمرور إلا بعد دفع 700 ألف ليرة سورية كرسوم بالرغم من رقم المحرك والبيان الجمركي الحكومي على المولدة”.
ويشير إلى أنه مجبر، مع إرسال أي بضائع حجرية لحلب، على دفع رسوم تتراوح بين 25 ألفاً و50 ألف ليرة، “ويومياً أرسل أكثر من عشر سيارات شاحنة محملة بالأحجار، دفع تلك الرسوم تتسبب برفع أسعار المنتجات”.
وخلال المعارك التي دارت بين القوات الحكومية وفصائل معارضة مسلحة ما بين أعوام 2012 و2020 تعرضت المنشآت الصناعية في ريف مدينة حلب الشمالي كما في المدينة لدمار وسرقة محتوياتها.
ووضع الدمار والنهب أصحاب المنشآت، حينها، أمام تحديات وصفها بعضهم بـ “الكبيرة”، خاصة بعد فشل محاولتهم في تخطيها، بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة وغياب أي مبادرة لإطلاق العجلة الصناعية.
ولم يعاود حسين الديب (54 عاماً)، وهو صاحب معمل نسيج في بلدة حيان شمال حلب، افتتاح معمله حتى الآن، لأسباب أرجعها إلى نقص اليد العاملة.
يقول إن العامل المقيم في حلب “لا يتمكن من دخول ريف حلب الشمالي بسب التشديد على الحواجز وسوق الشباب للخدمة الالزامية والاحتياطية”.
ويضيف: “كما أني ملزم بدفع رسوم أشبه بإتاوات على أي بضاعة تخرج أو تدخل من معملي لحواجز الترسيم، لذا فمن الأفضل تجنب المشاكل وبقاء المنشأة مغلقة ريثما تتحسن الظروف”.