إدلب – نورث برس
لم يعد بإمكان أيمن الفخري (39 عاماً)، وهو عامل مياومة في مدينة إدلب، شمال غربي سوريا، تأمين كافة احتياجات عائلته، مع الغلاء المستمر بسبب انخفاضات في قيمة الليرة التركية المعتمدة في المنطقة منذ ما يقارب عاماً ونصف العام.
وبات الرجل يستغني عن مواد غذائية لا يقوى على دفع ثمنها مع تخفيض كميات أخرى، في ظل ارتفاع الأسعار ورفع هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) أسعار المحروقات والكهرباء مؤخراً لتدهور الليرة التركية.
ولا تتجاوز الأجرة اليومية التي يتقاضها “الفخري” مقابل عمله لسبع ساعات متواصلة في مصنع مواد البناء، 25 ليرة تركية (نحو 2.5 دولار أميركي)، في ظل عجزه عن إيجاد عمل آخر.
ومنذ حزيران/ يونيو من العام الماضي، صدر قرار من حكومتي السورية المؤقتة والإنقاذ باستعمال العملة التركية بدلاً من الليرة السورية التي شهدت حينها انهياراً كبيراً وصل إلى نحو خمسة آلاف ليرة سورية مقابل كل دولار أميركي.
ومنذ ذلك الوقت يتعامل السكان في إدلب بالليرة التركية التي سجلت، السبت، قيمة 9.69 ليرة أمام الدولار الأميركي الواحد ، بحسب مواقع متخصصة.
وإذا كانت العائلات النازحة قد تحملت الكثير من المشقات بسبب الحرب في سوريا، فإن معيشتها قد ربطت قبل عام بالسياسات والأوضاع الاقتصادية التركية التي يبدو أنها تتجه لمستويات حرجة.
ويعتبر الانخفاض الذي سجلته الليرة التركية منذ أسبوعين مستوى قياسياً على خلفية قرار البنك المركزي التركي خفض سعر الفائدة الرئيسي وأزمات دبلوماسية مع دول غربية.
ويجمع عمال مياومة في مدينة إدلب على أن التداول بالعملة التركية زاد من وضعهم سوءاً، وذلك لما رافقها من ارتفاع أسعار جميع المواد أضعافاً مضاعفة، في حين بقيت أجور العمال تعادل الأجرة القديمة بالليرة السورية.
وترافق انهيار قيمة الليرة التركية أمام الدولار مع ارتفاع أسعار الوقود والغاز والمواد الغذائية والخضار وغيرها من السلع الأساسية.
ويقول سكان إن التعامل بالليرة التركية، تسبب بازدياد المصروف اليومي للعائلة، في ظل في بقاء أجور عمال المياومة على حالها وقلة فرص العمل.
“وضع مختلف”
ويقول “الفخري”، وهو والد لأربعة أطفال، إنه كان يتقاضى قبل التعامل بالليرة التركية ستة آلاف ليرة سورية وأن أوضاعه المعيشية حينها كانت “جيدة وكان هذا المبلغ يكفيني لشراء احتياجات عائلتي”.
ويشير إلى أن ارتباط أسعار السلع بسعر صرف الليرة التركية، جعل “الوضع مختلفاً تماماً”، وخاصة أن صاحب العمل قام بتثبيت الأجر اليومي لكل عامل 20 ليرة تركية (نحو ثمانية آلاف ليرة سورية).
ويبلغ متوسط أجور اليد العاملة في إدلب ما يقارب الـ 15 ليرة تركية، في حين أن السعر الأعلى للأجور لا يتجاوز 35 ليرة تركية وذلك للأعمال الشاقة جداً والتي ربما تحتاج لعمل يزيد عن عشر ساعات، بحسب عمال ومشرفين على ورشات.
ومنذ اعتماد الليرة التركية، ارتفعت أسعار الكهرباء والوقد عدة مرات مع كل انخفاض سجلته الليرة التركية.
والثلاثاء الماضي، رفعت شركة “غرين إينيرجي” للكهرباء، التابعة لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، تسعيرة الكهرباء المنزلية والتجارية، عبر تخفيض مدة ساعات التشغيل في إدلب .
وقالت الشركة في بيان نشرته عبر معرفاتها، إنها خفضت عدد ساعات التشغيل حيث أصبحت ثماني ساعات ونصف عوضاً عن عشر ساعات، وبالتسعيرة نفسها.
والشهر الماضي، رفعت شركة “وتد للبترول” التابعة للهيئة أسعار المشتقات النفطية في مناطق شمال غربي سوريا، ستة مرات.
وقالت الشركة في كل ارتفاع إنه جاء نتيجة انخفاض سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار الأميركي، حيث يتم تسويق المواد النفطية بالليرة التركية.
وفي الثالث والعشرين من الشهر الماضي، ارتفع سعر أسطوانة الغاز المنزلي من 109 إلى 114 ليرة تركية (نحو 42 ألف ليرة سورية)، في حين ارتفع سعر ليتر المازوت المكرر بدائياً من 4.78 إلى 4.96 ليرة تركية.
وسجل سعر ليتر المازوت المستورد ارتفاعاً وصل إلى 7.87 ليرة، بينما ارتفع ليتر البنزين المستورد من 7.84 إلى 8.15 ليرة تركية ( نحو3000 ليرة سورية).
احتجاجات ضد الغلاء
وفي الخامس عشر من الشهر الماضي، خرج العشرات من سكان مدينة إدلب، في مظاهرة احتجاجاً على “الغلاء ورفع أسعار المحروقات والمواد الغذائية بشكل غير مسبوق” في إدلب.
وقالت مصادر محلية حينها لنورث برس إن المتظاهرين رفعوا شعارات تطالب “حكومة الإنقاذ بإيقاف سياسة التسلط على السكان ومقاسمتهم لقمة عيشهم”.
وهتف المتظاهرون بهتافات مناوئة لحكومة الإنقاذ وزعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني.
وتعجز عائلات في إدلب وخاصة النازحة منها عن تأمين الغاز المنزلي أو مازوت التدفئة، ويضطر كثير منهم لاستخدام وسائل تدفئة بديلة على الرغم من مخاطر استخدامها.
والشهر الماضي، خفضت شركة وتد للمحروقات، سعة أسطوانة الغاز إلى من 24 كيلوغراماً إلى 22 عقب تخفيض سعرها.
ويتقاضى صالح الحوراني (47 عاماً)، وهو نازح من ريف حماة الشمالي ويسكن في مدينة إدلب، أجرة يومية من عمله في نقل وتحميل بضائع ومواد لا تتجاوز 30 ليرة تركية.
ويتساءل باستياء: “كيف ستكفيني أجرتي في ظل هذا الغلاء الفاحش، في أغلب الأحيان تكون أجرتي 20 ليرة تركية ونادراً ما تصل إلى 30 ليرة”.
ويشير إلى أنه يشتري أربع ربطات من الخبز بسعر 15 ليرة تركية والكيلوغرام من البندورة بسعر خمس ليرات، “فلا يبقى من أجرتي شيئاً”.
ويضطر “الحوراني” في حال مرض أحد أطفاله لاستدانة مبلغ من المال، “أو البقاء دون خبز لليوم التالي إن تمكنت من العثور على عمل”.
ومع حلول فصل الشتاء، لم يتمكن حتى الآن من ادخار مبلغ من المال لشراء مازوت التدفئة ومدفأة لعائلته، “وفي الشتاء يزداد مصروف العائلة ويقل العمل”.