أردوغان وسياسة الرشوة

صفعة أخرى مدوية يوجهها الرئيس الأميركي جو بايدن إلى نظيره التركي رجب طيب أردوغان حين رفض بايدن في اجتماعهما الأخير على هامش قمة المناخ تزويد تركيا بطائرات إف 16 التي يقول اردوغان إنه يحتاجها لتحديث أسطوله الجوي العسكري، والصفعة الأولى كانت حين طردت واشنطن تركيا من مشروع إف 35 ولكن لماذا يخفّض أردوغان من سقف طموحاته ويرضى بالإف 16 كبديل عن الأرقى والأكثر تطوراً؟ ثم هل يحتاج أردوغان فعلاً إلى هذه الطائرات أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟.

لن يستطيع أردوغان إعادة مكانته في واشنطن والأطلسي إلا إن تخلى عن صواريخ إس 400 التي اشتراها من روسيا، وهي أول أسلحة روسية تدخل إلى دول الحلف، ما يعتبر خرقاً أمنياً – عسكرياً غير مسبوق، فأردوغان يحتاج لصفقة الصواريخ تلك لا لأغراض عسكرية تتعلق بحماية حدوده وإنما كرشوة يقدمها للروس لعقد تحالف مؤقت حول المسألة السورية ويتمكن من خلالها تحقيق بعض أغراضه، ولكن اجتماع أردوغان الأخير بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي كشف حجم الهوة بين رغبات الطرفين فيما يتعلق بالموضوع السوري، فموسكو تريد أن يعيد النظام السيطرة على كامل سوريا والعودة بالوضع إلى ما كان عليه قبل عام 2011 بينما يصر أردوغان على بقاء قواته في شمال غربي سوريا ودعم الحركات المسلحة التابعة له والمدعومة من أنقرة. وبدا في الأيام الأخيرة أن الطرفين على وشك الدخول في معركة ضيقة قد تتسع بهذا القدر أو ذاك في شمال غربي سوريا، والطلعات الجوية الروسية في أجواء المنطقة دليل على تهديدات روسية للجيش التركي لعدم التجاوز والمغامرة.

يتبع أردغان مع واشنطن ذات الطريقة (الرشوة) فيطلب دفعة من طائرات إف 16 بمبلغ 16 مليار دولار مبدئياً، فهو حسب قناعتي الشخصية لا يحتاج تلك الطائرات وإنما هي فعلاً رشوة يقدمها للإدارة الأميركية للحصول على موافقة للقيام بعمل عسكري ضد قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي سوريا وهو الأمر الذي رفضه بايدن وأرسل تحذيراً شديد اللهجة لأردوغان إن هو أقدم على تنفيذ ما يخطط له ضد الحلفاء، الكرد، فما كان من أردوغان إلا أن يحفظ ماء وجهه عبر تصريح ضعيف وميت في الحقيقة، فأعلن أن بلاده ستقدم على عمل عسكري في شمال شرقي سوريا إن اقتضت الحاجة في الوقت الذي كانت فيه قوات الجيش الوطني التابع لتركيا تعلن عن بدئها بعملية عسكرية في المنطقة يوم الثلاثاء لكن الأوامر جاءها في اللحظة الأخيرة بإلغاء العملية أو تأجيلها في الوقت الحالي، ومرة أخرى لم تنجح سياسة تقديم الرشاوي في حصول أردوغان على الموافقة لتحقيق أطماعه. يصر أردوغان وأركان حكمه على أن قسد تقوم بقصف قواته والقرى الحدودية في حين أن كل التقارير العسكرية تؤكد أن الهجمات التي تعرضت لها الأراضي التركية جاءت من الشمال الغربي، أي من المناطق التي تخضع عملياً لنفوذ أنقرة.

يبحث أردوغان عن أي مشكلة للتغطية على تراجع الاقتصاد التركي وعلى رأسها العملة التركية التي شهدت تراجعاً خلال السنوات الأخيرة ووصل إلى 200 بالمائة، فحين زرت إسطنبول لأول مرة في عام 2010 كان الدولار يساوي ليرتين ونصف، أما مؤخراً فقد تجاوز الدولار عتبة العشر ليرات، هذا التراجع في العملة لا يعني بالضرورة تراجعاً اقتصادياً، ولكن التقارير الاقتصادية تؤكد بأن تركيا تشهد ضائقة مالية ليست قليلة تتجلى صورها في حجم التضخم وتراجع الصادرات التركية بسبب المشاكل التي دخلها أردوغان دون مبرر، ولقد قال أحد الباحثين السياسيين إن أردوغان يحلم بأن يكون سليمان القانوني الثاني، أما أنا شخصياً فأراه تجاوز سليمان القانوني بمراحل في القتل والرغبة في القتل والتوسع والبحث عن المشاكل مع فارق أن تركيا أيام القانوني ليست تركيا أيام أردوغان كما أن العالم برمته تغير عن تلك الأيام التي كانت فيه الكثرة العددية تصنع فارقاً في المعارك.