كيف يظهر الزعيم المسخرة على التلفزيون؟

كنا حين نشاهد صور الرؤساء والزعماء على التلفاز في الأخبار المسائية مترافقة مع موسيقا وطنية وهم يستقبلون ضيوفاً، سواء قادة عسكريين أم مسؤولين محليين، نتساءل عن الكلام الذي دار في هذا الاجتماع وأهميته، خاصة وأن الإعلام لا يعطيك كلمة واحدة تفيد بما حدث خلال تلك الاجتماعات، فيكتفي الخبر بالمقولة الشهيرة التي بتنا نحفظها عن ظهر قلب: (وتم خلال الاجتماع مناقشة القضايا المطروحة). ما هي هذه القضايا المطروحة وبأي شيء تتعلق، فذلك يبقى في علم الغيب، ما يضفي على الاجتماع ذاته نوعاً من الغموض والمهابة، وصرنا نظن أن أولئك المسؤولين والقادة الكبار يفكرون بطريقة عبقرية تختلف عن طرائق تفكيرنا وهيهات أن نستطبع فهم أساليب تصوراتهم للأوضاع والحلول التي يقترحونها.

مع ظهور الشبكة العنكبوتية وتطور خدماتها بدأت هذه الهالة المرسومة حول تلك الصورة والفيديوهات التي تحتفظ بها الذاكرة تنوس شيئاً فشيئاً، وبدأت تتكشف الحقائق عبر مجموعة كبيرة من الفيديوهات التي تنشر الكلام الذي دار حقيقة في تلك الاجتماعات، وهنا كانت الكارثة والخيبة الكبيرة التي اكتشفناها متأخرين، فأولئك الزعماء يتحدثون تماماً مثل أي شلة من الرجال تتسلى في مقهى شعبي، كلام بكلام لا معنى له ولا فائدة من ورائه، وإن الضحكات التي كانت تنمو للزعيم في مخيلتنا والمأخوذة من تلك الفيديوهات المترافقة بالموسيقا، كانت ضحكات بلهاء وبلا سبب.

ما دفعني للكتابة عن الموضوع هو وقوعي وبالصدفة المحضة على فيديو منشور على اليوتيوب للرئيس الراحل صدام حسين مع القيادة العسكرية في الجيش العراقي قبيل الهجوم الأميركي على العراق بأيام، وأصارحكم بأني رغبت في متابعة الفيديو لأعرف الخطط العسكرية التي ناقشها المجتمعون حينها للتصدي للهجوم الأميركي الذي بات على الأبواب، ولكن الطامة الكبرى تأتيك فوراً، فبدلاً من أن يسأل صدام معاونيه وكبار القادة عن خطتهم واقتراحاتهم، نراه يغرد في الحديث عن الكرم وكيف كانوا يطحنون القمح في الرحى الحجرية، ويستفيض في الحديث فيقول إن المسافات كانت قديماً بعيدة بين القرى والمدن ولم تكن وسائل المواصلات كما هي عليه الآن من تطور، فتتقطع السبل بالكثير من المسافرين الذين يقرعون أي باب ويستقبلهم أهل البيت بالترحاب والكرم ويجودون بما يسمح به وضعهم المادي الفقير.

نعم، قلت في نفسي هي شطحة للرئيس وللقائد العام للجيش والقوات المسلحة كنوع من الترفيه والخروج عن النص، لكن الأسوأ كان فيما جاء بعد ذلك، إذ اكتفى بعض القادة بتقديم السلامات والطاعة مع عساكرهم للرئيس، ثم يبتسم صدام ويقول بالحرف: (يالله ناخد الصور هسع). ما يعني أن الاجتماع كله كان بلا معنى، وهو فقط لالتقاط الصور، فهذا أهم عند صدام حسين، القائد الأول، من مناقشة أية خطط وبرامج عسكرية. هل كان ذلك لإدراك الجميع بأن لا جدوى من النقاش فنتيجة المعركة محسومة أم لأنهم اعتادوا على مثل هذه الاجتماعات؟!

مازلت أذكر فيديوهات حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار على التلفزيون السوري مرفقة بالموسيقا وصوت المذيعة التي تشرح لنا الصورة الظاهرة بصوت حماسي، وكنت أقول في نفسي: ترى ما هي (القضايا ذات الاهتمام المشترك) التي ناقشها الرئيس مع ضيفه أو ضيوفه؟ ثم تبين أن ما تقوله الصورة على محطاتنا شيء وما يدور في تلك الاجتماعات شيء آخر.