بينما تشتد معارك التصريحات.. السوريون ينتظرون حلاً لنقص الزيت النباتي
دمشق ـ نورث برس
لم تعد القصة في ارتفاع أسعار الزيت النباتي فقط، وإنما في عدم توفره، واحتكاره من قبل البعض ليصل سعر الليتر منه إلى ما يفوق 11 ألف ليرة في حال توفر في مناطق سيطرة الحكومة السورية.
أحد تجار المواد الغذائية في سوق المزة بدمشق، قال لنورث برس، إن الزيت لم يعد يصل، لأن المنتجين أحجموا عن الإنتاج بعد العقوبات التي طبقها عليهم وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك.
وجاءت العقوبات (وفق قانون حماية المستهلك رقم 8 الصادر في نيسان/ أبريل الماضي والذي شدد العقوبات والغرامات على الاحتكار والغش والمخالفات الأخرى، ليصل بعضها إلى السجن).
قصة الزيت أعقبت مادة السكر، والإجراءات التي اتخذتها وزارة التجارة الداخلية في عهد وزيرها الجديد عمرو سالم، والتي طالت أحد أبرز الشخصيات الاقتصادية، ومن كان يوصف بـ”ملك السكر” في سوريا، وهو طريف الأخرس.
ورغم ذلك لم تفلح محاولات خفض أسعار السكر، أو توفيره حسبما وعد الوزير. بدا أن القصة تتكرر بخصوص الزيت.

تهديد بالعقوبات
وعدت الوزارة بحل لأسعار الزيت، وتدخل وزير التجارة الداخلية لتخفيض سعرها ومنع احتكارها، ولوّح بعقوبات وفق القانون رقم 8، على منتجين كان من بينهم كبار المنتجين الذين يملكون عدداً من الشركات.
لكن النتيجة، لم تكن كما وعدت الوزارة، إذ ارتفعت الأسعار أكثر، وانتشرت على صفحات السوريين صور عن عبوات زيت في دول مختلفة يباع فيها الليتر بما يعادل ثلث سعره في سوريا.
كانت نتيجة تدخل الوزارة اختفاء المادة من الأسواق، وبشكل شبه كامل في دمشق مثلاً.
وسط هذا الشح، صرح الوزير سالم بأن الوزارة تخزن عبوات زيت دوار الشمس، لتعيد طرحها في صالات “السورية للتجارة” وبيعها وفق “البطاقة الذكية”، وذلك “منعاً للفساد المتمثل ببيعه إلى تجار يرفعون سعره” كما أضاف الوزير، وذلك بالتزامن مع السماح للسورية باستيراد الزيت.
سبق هذا التصريح، تصريح منذ سنوات للمدير السابق للسورية للتجارة، أحمد نجم، عن توفير الزيت على البطاقة الذكية.
لكنه عاد ليشدد على أنه لم يتمكن من تأمينه، وبعد طرح كميات من زيت بذر القطن في صالات المؤسسة فرغت الرفوف من هذه المادة.
وظل الحال هكذا، فلم يتوفر الزيت لا في صالات السورية ولا في الأسواق. وجاء تصريح عضو في غرفة تجارة غرفة دمشق عن حصر السماح باستيراد الزيت بتاجرين فقط، “فقط ليزيد من حدة الحرب المتصاعدة حول هذا الموضوع”.
عضو مجلس غرفة تجارة دمشق ياسر أكريم استنكر في تصريح لوسيلة إعلام محلية حصر الاستيراد بالسورية، وإغلاق الباب في وجه القطاع الخاص، مقابل السماح لشخصين فقط باستيراد الزيت “الدوكما”.
وأشار إلى أن ما يتم في سوريا هو تعبئة الزيت في عبوات فقط وليس تصنيعه. وقال إن “الاحتكار هو أحد أسباب ارتفاع سعره، والحل يكون بفتح باب الاستيراد أمام الجميع”.
بالمرصاد
تصريح عضو غرفة التجارة، استدعى رداً من وزارتي: “الاقتصاد” و”التجارة الداخلية”، ووصف الوزير سالم عبر صفحة وزارة التجارة الداخلية، تصريحات “أكريم” من غرفة التجارة بأنها “كذب”، وكلام “غير مسؤول ويهدف إلى خلق البلبلة وتبرير الاحتكار”.

وشدد سالم على أن مصانع تكرير وتعبئة زيت دوار الشمس البالغة تسعة معامل استوردت منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي، كمية وصلت إلى 58 ألف طن، وبقيمة بلغت 43 مليون يورو بسعر البنك المركزي.
وتلا ذلك رد من وزارة الاقتصاد نفت فيه ما قاله عضو غرفة التجارة، وأعربت الوزارة عبر صفحتها في فيسبوك، عن استغرابها لما قيل.
ومما جاء في الرد أن “أي مادة يتم السماح باستيرادها تكون مسموحة بالاستيراد لأي مستورد، وأي مادة يتم منعها يسري المنع على أي شخص”.
وقالت إنها على استعداد لتقديم بيانات حول عدد المستوردين وأسمائهم لكل مادة، وأن الزيوت النباتية الخامية مسموحة بالاستيراد لكافة الصناعيين.
ثلاثة أضعاف
وظلت قضية الزيت تتفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين الوزارة ومنشورات الفيس، وهذه المرة حول قضة الأسعار حيث كثر المتحدثون عن انخفاض الأسعار العالمية للزيت قياساً مع الأسعار المحلية.
وتحدثت حماية المستهلك عن حلقة مفقودة بين تجار الجملة والمفرق، وأن الأسعار الموجودة في الأسواق، تزيد بمعدل 3 أضعاف عن السعر العالمي.
وقام البعض بعرض صور لعبوات من الزيت النباتي، منها صورة لعبوة سعتها خمس ليترات تباع في الإمارات بنحو 39 درهما، (نحو 39 ألف ليرة، أي أن سعر الليتر 7800 ليرة، بينما سعره في سوريا 11 ألف ليرة).

وجاء الرد من الوزير سالم ليشدد على أن ذلك الكلام غير دقيق وعرض فاتورة قال إنه طلبها من أحد معارفه في الإمارات العربية، وفسّر سالم السعر المنخفض لعبوة 5 ليترات، بالقول إن “المعروض في الصورة هو لمواد قاربت على انتهاء الصلاحية وأن سعرها أقل من سعر المؤسسة المحدد بمبلغ 7200 ليرة”.
وجاءته المؤازرة من رئيس غرفة تجارة دمشق وسيم القطان ليدعم قول الوزير سالم، ويقول إن “إيصال صورة غير حقيقية عن الاقتصاد في ظل هذه الظروف هو كمن يضع السم في الدسم”.
وقبل أيام عرض وزير التجارة الداخلية منشوراً جديداً يتحدث فيه من معمل عصام أنبوبا، وقال إن المعمل ينتج ملايين الليترات وسيتم شحنها إلى صالات السورية للتجارة.
تجاهل للمشاكل الأهم
وعند سؤال أحد أعضاء غرفة التجارة عما يجري، قال لنورث برس، إن “القصة ليست في الزيت وسعره، وإنما في تأطير مشاكلنا بعبوة زيت، أي أن الأمر لا يقتصر على الزيت، فالزيت يحتاج إلى غاز، وكذلك الغاز مفقود، فلماذا تسليط الضوء على الزيت؟”.
وتساءل: “لماذا يحمل الوزير عبوة الزيت بيده؟، (في إشارة إلى الصورة التي نشرتها وزارة التجارة عن زيارة الوزير سالم إلى مصنع الزيت)”. وأضاف التاجر: “هل تحل الأمور هكذا؟”.
ذلك التاجر قال إن الوزير سالم الذي “يتباهى بعدد فروع مؤسسة التجارة البالغة 1600 منفذ، والتي يصفها بأنها أكبر شركة في العالم”، عليه أن “يخبرنا ما الذي يستطيع الناس أن يشتروه بمبلغ 100- 200 ألف ليرة”.
وقال إن “المؤسف أن يصبح الزيت هو حديث الساعة والتغاضي عن القضايا الأهم”.
الوزير سالم، هو أحد أكثر الوزراء حاليا ظهورا وحضورا في وسائل الإعلام، وعبر مواقع التواصل، وقد بدا أنه جاء إلى الوزراء بحماس شديد جعله يوقع قراراً حتى قبل أدائه اليمين الدستورية، أي قبل أن يصبح وزيرا وفق الدستور.
لكن كل ما فعله حتى الآن لم يقدم حلاً جوهرياً لأي من مشاكل السوريين المعيشية، بل إن ما يبدو هو العكس، وهو ما يفسره البعض بأن مشاكل الأسعار لا تتعلق بالاحتكار أو الغش أو غيره فقط، بل هي أساسا مشاكل حقيقية في بنية الاقتصاد السوري.
وأشاروا إلى أن تلك المشاكل في بنية الاقتصاد السوري، أدت إلى “كوارث حقيقية في الحياة اليومية”.
ويقول البعض: “ماذا يستطيع أي وزير أن يفعل إذا كان راتب الموظف لا يكفي لشراء أكثر من 3 كيلوغرامات من اللحم، وهو بالكاد يكفي لشراء الخبز!”.