تصدي لله يا مقاومين

يحزنني حد الإهانة تواتر الأخبار في المحطات العالمية ووسائل الإعلام العربية والدولية والمحلية عن قيام إسرائيل بقصف الأراض السورية واختراق السيادة في مشهد بات اعتيادياً وأقل من أن ينال الاهتمام اللازم، ويحزنني أكثر ادعاءات إعلام النظام بالتصدي للهجمات الإسرائيلية، ولكن وعلى الرغم من هذا التصدي فإن الصواريخ (الصهيونية) تصل إلى أهدافها وتحقق غاياتها، فكيف الحال إن لم يكن هناك تصدٍّ؟!

من المحزن حقاً أن نتسول كسوريين شيئاً من الشعور بالكرامة والرد على الهجمات الإسرائيلية ولو لمرة واحدة منذ هجوم عين الصاحب الشهير مروراً باغتيال أحد ضباط الحرس الجمهوري على شرفة منزله عبر قنصه من زورق إسرائيلي في البحر، إلى مقتل عماد مغنية في قلب العاصمة دمشق، إلى ضرب المفاعل النووي في دير الزور، وصولاً إلى الشوارع التي فتحها الطيران الإسرائيلي في السماوات فباتت رحلاته شبه الأسبوعية تشبه الرحلات السياحية للطيرن المدني التي تزور اي دولة في العالم، ومع ذلك فإن (وسائط دفاعنا الجوي تصدت للهجوم الصهيوني) لكن الصواريخ وصلت إلى أهدافها مرة أخرى.

قد يقول بعض المؤيدين أن الثورة و(بتآمرها) أسهمت بقسط كبير في إضعاف الجيش الذي صرف كل اهتمامه للقضاء على (الإرهاب) العالمي والمؤامرة الفلكية التي تستهدف صمود سوريا ومقاومتها، لكن وقائع التاريخ القريب تقول عكس ذلك، فالنظام بدأ بعملية ممنهجة ومدروسة لإضعاف الجيش خشية الانقلاب عليه، فعمل على إطلاق يد الضباط الفاسدين واختفت المحاسبة وبات الجيش السوري يعرف علناً باسم (جيش أبو شحاطة)، وكانت خطة إضعاف الجيش تهدف إلى منع أي تفكير لدى القيادات العسكرية بالانقلاب، فكان الاختيار يقع على الفاشلين والأقرب إلى المعاتيه والهبل منهم إلى ضباط جيش، وتمادت أيديهم وصغرت نفوسهم إلى درجة سرقة حتى الخبز المخصص للعسكر المجندين، ولقد كنت شاهداً على ذلك خلال فترة خدمتي العسكرية، ناهيك عن تفشي مفهوم (التفييش) في الجيش، حيث يقدم العسكري مرتباً شهرياً للضابط المسؤول عنه، فيقوم الأخير بإطلاق يده ليغيب أشهراً عن قطعته، ناهيك عن الفساد في المحروقات وقطع الغيار وغيرها، وبالطبع لم يكن هذا الفساد خافياً على الأجهزة الأمنية، بل كان برضاها وربما بتشجيع منها، فالمطلوب إضعاف الجيش وتقزيم رجالاته وقياداته.

الهدف الآخر يكمن في إرسال رسائل واضحة إلى إسرائيل بأن لا نية للنظام بشن حروب ضدها، خاصة وهي تلحظ بوضوح تدهو الحالة العسكرية ووصولها إلى الحضيض وانشغال الضباط بالفساد وترتيب جمع الأموال بكل الطرق غير المشروعة، وباتت إسرائيل في ظل هذا الظرف الخرب تعرف ما يدور من أحاديث بين الضابط وزوجته حتى في غرفة نومهما.

الشواهد تؤكد ما ذهبنا إليه، ولقد ذكرنا في المقدمة أن اختراقات إسرائيل للمجال الجوي السوري سابقة على الثورة بنحو ثماني سنوات، وكذلك الاختراق البحري، ومثله الاختراق الأمني في قلب العاصمة، لقد انشغل النظام بإضعاف قطاعات الجيش والتركيز على الحرس الجمهوري، القطاع الوحيد الذي يشعر الأسد أنه بيده وتحت سيطرته، وحين احتاج بشار الأسد للجيش، خذله الجيش لا لعمالة فيه وإنما للضعف الذي أصابه بسبب سياسات بشار الأسد وخططه الممنهجة لقتل الروح المعنوية والكرامة عند قيادات ورجالات الجيش السوري، خذله الجيش لأنه خذل الجيش وقتله بالمعنى الحرفي للكلمة فظهر جيشاً مهزوماً ومنكسراً لم يستطع الصمود أمام ألاف من المسلحين لم يتجاوز سلاحهم وقتها الكلاشينكوف وربما مدفعية الهاون.

كل ذلك جعل من الجيش السوري الخاصرة الرخوة للنظام والعصا المكسورة التي لا يستطيع الاتكاء عليها فاتكأ على عناصر الحرس الجمهوري الذين ينقلهم من معركة إلى أخرى حتى أنهكهم التعب والقتال.

ضعف الجيش فبتنا نتسول على أبواب الكرامة مادين أيدينا وقلوبنا طالبين: تصدي لله يا مقاومين.