دمشق- نورث برس
سارع الشاب العشريني رزق الحسنية بعد تخرجه من كلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق للبحث عن طريقة يفر بها من البلاد، وخاصة أنه سمع مؤخراً بطرق تهريب إلى بيلاروسيا، وذلك بعد اقتراب انتهاء مدة تأجيل سوقه للخدمة العسكرية الإجبارية ضمن القوات الحكومية.
وانتشرت منذ أشهر إعلانات على صفحات للتواصل الاجتماعي حول إمكانية الحصول على تأشيرة سفر نظامية إلى بيلاروسيا، مقابل مبالغ مالية تختلف بحسب الوسيلة التي يختارها الشخص للوصول إلى أوروبا.
وجاء الترويج لهذا الطريق في مناطق سيطرة الحكومة بعد فترات من التوجه لطرق أخرى عبر البحر وحدود الدول المجاورة.
وقال “الحسنية” إن سوء الوضع الاقتصادي وانسداد الأفق العلمي والمهني في البلاد كانا من أسباب قراره الهجرة إلى خارج البلاد.
واعتبر أن “بقاءه في البلاد بعد التخرج كان أكبر أخطاء حياته”.
تكاليف التهريب
ومنذ مطلع تموز/ يوليو الفائت، بدأت مشكلة التأخير في إصدار جوازات السفر في عموم مناطق سيطرة الحكومة السورية، توالت بعدها تصريحات وزارة الداخلية في الحكومة السورية بحل المشكلة في العاشر من الشهر الجاري.
وأشار “الحسنية” إلى أن وعود الوزير بعودة طباعة الجوازات “لا تتناسب مع ما تبقى لي من مهلة، إذ بدأ العد التنازلي لنهاية التأجيل، وهو الزمن المتبقي لي في دمشق”.
واضطر الشاب لدفع ما يعادل 300 دولار أميركي للحصول على جواز سفر.
واعتبر أن “مزاعم وزارة الداخلية في الحكومة السورية بعدم وجود أوراق، هي فقط لتقاضي مبالغ مالية كرشوة”.
ودفع “الحسنية” ما يقارب عشرة ملايين ليرة سورية ثمناً للتذكرة وتأشيرة الدخول والحجز الفندقي في بيلاروسيا.
“باع أبي سيارته بمبلغ ثلاثة آلاف دولار أميركي، واستدنت من خالي المقيم في الخليج مبلغ ألف دولار لتأمين تكاليف السفر”.
وهذه الأرقام تتغير تبعاً لصعوبة الطريق أو استخدام المهرب الحافلات لنقل الأشخاص إلى أوروبا، لكن التكلفة أعلى بالتأكيد عند إيصالهم إلى ألمانيا بالطائرة، على حد قول الشاب.
ويعمد أرباب عائلات سوريون لبيع عقارات وممتلكات ورثوها من أجدادهم أو قضوا معظم سنوات عمرهم لامتلاكها بهدف تأمين تكاليف سفر أحد أبنائهم إلى خارج البلاد.
ومن المقرر أن ينطلق “الحسنية” مطلع الشهر القادم، “وقد أملك فرصة واحدة في الوصول، لكن هنا لا أملك أي فرصة في الحصول على حياة مناسبة”.
ويعاني السوريون في الداخل أزمات اقتصادية ومعيشية تبدو أكثر حدة في مناطق سيطرة الحكومة السورية.
والأسبوع الماضي، قال مارتن غريفيث مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، إن “أكثر من تسعين في المائة من السكّان في سوريا يعيشون تحت خط الفقر”.
وأضاف أن “الكثير منهم يضطر لاتخاذ خيارات صعبة جداً لتغطية نفقاتهم”.
احتكار مكاتب
وقال راضي بوكداشة (33 عاماً)، الذي يعمل في أحد مكاتب السفر في ساحة المحافظة في دمشق، لنورث برس، إن المكتب الذي يعمل فيه “سوّق لنفسه بأنه يقوم ببيع تأشيرات إلى بيلاروسيا”.
وأضاف أنه “عند قدوم أي زبون يقوم بتحويله إلى مكتب آدم الموجود في جسر فكتوريا أو مكتب الطائر، ويخبر الزبون أنه فرعنا الثاني”.
لكن”راضي” قال إن المكتبين المذكورين يقومان باحتكار التأشيرات، حيث اتفقا مع جميع مكاتب السياحة والسفر بتحويل الزبائن إليهما مقابل عمولة”.
وقال: “مكتبنا يتقاضى مليون ليرة سورية مقابل كل زبون”.
وقدّر “راضي” عدد الأشخاص الذين ترددوا على المكتب للسؤال عن الفيزا خلال الأشهر الثلاثة الفائتة بالمئات.
مخاطر طريق
وقالت رؤى الطويل (28 عاماً)، وهي طبيبة متخصصة في طب العين وجراحتها هاجرت قبل أشهر، لنورث برس في اتصال عبر الإنترنت من فيينا عاصمة النمسا: “اتفقت مع صديقتين لي تسكنان معي في المنزل نفسه بدمشق أن نخبر عائلاتنا أننا قررنا الهجرة”.
ولم يوافق معظم أفراد أسرة “الطويل” في مدينة حمص على سفرها، “ولكن أبي شجعني على الرغم أن قلقي الأكبر كان من موقفه”.
وأضافت اللاجئة: “وصلنا إلى بيلاروسيا في السادس من تشرين الأول/أكتوبر ليلاً وأخبرونا أننا سننام حتى الفجر في فندق، وسننطلق صباحاً”.
وقالت: “لكن الفندق كان عبارة عن بناء من ثلاثة طوابق، لم يدخل إليه عامل نظافة منذ سنوات، وأخبرنا المهرب أننا سنكمل طريقنا متنقلين بين حافلات وقطارات حتى نصل إلى النمسا”.
وأشارت إلى أنهم دفعوا للمهرب مبلغ 1500 دولار أميركي.
ولكن عند وصولهم إلى الحدود البولندية، أوقفتهم دورية للجيش البولندي وقامت بإنزال كافة الركاب والبالغ عددهم 35 شخصاً، بحسب “الطويل”.
“وهرب السائق مع المهرب من طريق آخر واكتشفنا لاحقاً أنه نصب علينا، حيث قام المهرب بتسليمنا للجيش وسرقة المبلغ الذي دفعناه”.
مصير مجهول
وبعد أكثر من عشر سنوات من الحرب في البلاد، يتذكر السوريون مآسي كثيرة وقعت لفارين من البلاد وحربها وأزماتها عبر طرق غير آمنة.
وفي السادس والعشرين من الشهر الجاري قضى أربعة من أطفال المهاجرين، غرقاً أثناء محاولتهم العبور من تركيا إلى اليونان، بعدما غمرت المياه قاربهم الذي كان يقل نحو 27 شخصاً.
ولقي 17 لاجئاً سورياً، بينهم أطفال ونساء من درعا حتفهم جراء غـرق القارب الذي كان يقلهم من ليبيا إلى إيطاليا في مياه البحر الأبيض المتوسط، مطلع حزيران/ يونيو الماضي تزامناً مع اليوم العالمي للاجئين.
ومنذ مطلع العام الجاري، لقي أكثر من 450 مهاجراً مصرعهم في البحر الأبيض المتوسط، بحسب منظمة الهجرة الدولية، وكان معظمهم يحاولون الوصول إلى أوروبا انطلاقاً من السواحل التونسية والليبية.
وقالت “الطويل” إن السلطات النمساوية أجبرتهم على العودة، وعند وصولهم إلى حدود بيلاروسيا لم تسمح لهم دورية الحدود بالدخول.
وانتهى بهم الأمر في الغابات القريبة شأنهم شأن جموع المهاجرين الذين قارب عددهم 1200 مهاجر ما بين عراقي وسوري وفلسطيني، على حد ما ترويه النازحة السورية.
وأضافت أن “تجربة الغابة كانت تجربة صعبة، وعندما أخبرونا أن الجيش البولندي يقوم بإطلاق دببة في الغابات حدثت نوبة هلع هستيرية بين جموع المهاجرين”.
واختتمت “الطويل” أنه و”بعد معاناة أسبوع كامل من الخوف والبرد القارس في الليل والقلق وانعدام الطعام وشح مياه الشرب، تدخلت منظمات دولية وإنسانية لإدخالنا عبر الحدود.”