كثيرا ما يتم التساؤل عن احتمالية سماح الولايات المتحدة الأميركية للجيش التركي بالقيام بعملية عسكرية ضيقة أو مفتوحة في الشمال السوري ولكن لم يطرح أحد على حد علمي الموقف الروسي من الموضوع فهل تسمح موسكو لتركيا بتحرك قد يؤذي النظام في الشمال السوري وبالتالي يكون لهذا التحرك تبعات سلبية على النظام تعيد الصراع إلى نقطة البداية؟
في الحقيقة يبدو أن موسكو أكثر تشدداً من الأميركان فيما يتعلق بهجوم تركي على شمال سوريا بشقيه الشمال الشرقي والشمال الغربي فعلى الرغم من كل الرشاوى التي قدمها الجانب التركي لروسيا من تمسكه بصفقة الصواريخ أرض – أرض وانصياعه لكثير من الرغبات العسكرية الروسية إلا أن الجانب الروسي لا ينظر بعين الارتياح لتحركات تركيا في المنطقة خاصة وأن الروس أعرف الناس بخفايا العلاقة العسكرية بين أنقرة وواشنطن وهي تعلم جيدا أن الرئيس التركي الطيب رجب أردوغان لا يتحرك جنديا إلا بأوامر وأذونات مسبقة من واشنطن على الرغم من كل التصريحات الإعلامية النارية التي يطلقها الأخير بين الحين والآخر والتي لا تقدم ولا تؤخر اللهم إلا في صالح موقفه على الصعيد الداخلي. ولأن روسيا تدرك هذه الحقائق جيدا فهي ترى في أي تحرك تركي يدا أميركية وحلف أطلسية ولا يمكن أن تركن إلى جانب الراحة والطمأنينة إزاء أدنى تحرك للجيش التركي وبالتالي فإن روسيا لن تكتفي بالقلق في حال إقدام أردوغان على عمل عسكري ما في الشمال فالمعطيات تقول إن احتمال نشوب نزاع مسلح وإن على نطاق ضيق بين الجانبين أو حلفائهما وارد جدا في هذه الحالة ولذلك نجد أردوغان يكرر تصريحاته بأن صبره قد نفذ وتهديداته باجتياح عسكري، والحقيقة أن للأتراك أوراق هامة في الشمال وخاصة في إدلب وشمال الساحل السوري ففي إدلب وحدها يوجد نحو 100 ألف مقاتل موالون لتركيا ويأتمرون بأوامرها وأنقرة قد تسمح لتلك العناصر بالتسلل إلى مناطق خفض التصعيد أو المناطق المنزوعة السلاح وبالتالي تتسع رقعة المعارك مع جيش النظام وحلفائه وتبدو الأمور وكأنها عادت إلى النقطة التي انطلقت منها وهو ما تحاول روسيا تجنبه تماما.
في المقابل تملك روسيا ترسانة عسكرية ضخمة لا يمكن لتركيا الصمود أمامها خاصة في ظل شعور تركي بالتخلي عنها من قبل حلفائها في الأطلسي بسبب مواقفها وخاصة فيما يتعلق بقضية النزاع مع اليونان وموضوع صواريخ إس 400 الروسية الصنع وهي السلاح الروسي الوحيد الذي يدخل إلى دول حلف الشمال الأطلسي منذ تأسيسه.
هناك بوادر تدل على تنازل تركي في مكان ما منها الهجوم الذي شنته فصائل ما كان يعرف بجبهة لنصرة على باقي الفصائل العسكرية المعارضة في الساحل السوري والقضاء عليها ومن ضمنها فصائل موالية لتركيا ما يعني السماح للنظام وروسيا بالتدخل في المنطقة بحجة القضاء على التنظيم الارهابي خاصة وأن الجبهة مدرجة على قوائم الارهاب العالمية حتى بعد أن غيرت اسمها وجلدها ، وهذا التنازل واضح وجلي ودعوة لجيش النظام باستبدال هجومه على إدلب بالهجوم على مناطق هيئة تحرير الشام واستعادة ما تبقى من الساحل السوري في أيدي المعارضة المتطرفة ويبدو أن الروس الذين اعتادوا على مثل هذه السياسات المجزأة إلى مراحل يؤيدون هذا التنازل ويقبلون تبادل المواقع الذي عرضه الجانب التركي وتبقى نقطة الخلاف الرئيسية في الشمال الشرقي حيث يصر أردوغان على استباحة المنطقة فيما تعود روسيا للتهديد بعودة تلك المناطق إلى النظام في حال شن الأتراك هجومهم. ويبدو أن أردوغان أول وأكبر الخاسرين من كل تدخلاته في المنطقة فهو بعد الساحل سيضطر لتقديم تناول جديد ولا معتقد إلا أنه سيكون في إدلب هذه المرة ذلك أنه بات من الواضح أن بوتين يعد العدة لبدء حربه الرابعة في سوريا في القريب العاجل جداً.