“تحرير الشام”.. خلاف تركي روسي بين تعويمها ومحاربتها بوصفها “إرهابية”

القامشلي- نورث برس

ظهر في الفترة الأخيرة، وتحديداً بعد الاجتماع الذي جرى بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، الخلاف الروسي التركي حول هيئة تحرير الشام، حيث تصر روسيا على محاربتها بصفتها “إرهابية” بينما تحاول تركيا تعويمها من خلال دمجها مع فصائل الجيش الوطني، وهو ما بدى واضحاً من تغييرات طرأت على الهيئة تركزت في ظهور قادتها بلباس مدني بعيداً عن العسكرة.

ويطالب الروس بتفعيل بنود اتفاقات وتفاهمات سابقة تتعلق باستعادة الحركة على الطريق الدولي “أم 4” وهو ما يعني دفع فصائل المعارضة إلى الريف الشمالي لإدلب وتسليم محيط الطريق الذي يربط الساحل السوري بمدينة حلب إلى قوات حكومة دمشق.

ولكن أنقرة ترفض هذا الأمر لأنه يعني احتمال نزوح نحو نصف مليون مدني إلى المخيمات التي تقع ليس بعيداً عن حدودها الجنوبية، وهو ما يزيد ملف الشمال الغربي من سوريا تعقيداً.

وبسبب هذا الخلاف حتى وإن لم يظهر بشكل مباشر للعلن، فإن تركيا وروسيا وجدتا في “تحرير الشام” نقطة الفصل، فكل طرف يريد تحقيق أهدافه عن طريقها.

وبعد الاجتماع الروسي التركي في سوتشي وتشديد روسيا على ضرورة إنهاء “التهديد الإرهابي”، “وعزل هيئة تحرير الشام”، أثير حديث عن وجود خطة لدى الجانب التركي لدمج الهيئة مع “الجيش الوطني” في شمال البلاد، في محاولة لخلط أوراق الصراع.

ويرى مراقبون ومحللون سياسيون أن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، التي تسيطر على مناطق شمال غربي سوريا، تسعى إلى إقناع المجتمع الدولي بأنها ليست كما تصفها واشنطن بـ”أكبر ملجأ لتنظيم القاعدة في سوريا منذ أحداث 11أيلول/ سبتمبر”.

ومنتصف 2018، صنفت الولايات المتحدة الهيئة التي يقودها “أبو محمد الجولاني” وكل فصيل له صلة بها كمنظمة “إرهابية”.

استبعاد الدمج

ومؤخراً، بدأت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، هجوماً وصف بـ”العنيف” على مواقع ومقار لفصائل مسلحة في منطقة جبل التركمان شمال شرق اللاذقية، وجسر الشغور غرب إدلب بحجة أنهم فصائل “متشددة”.

ولكن في الوقت ذاته تناست الهيئة أنها لا تزال على قائمة “الإرهاب”، وأن ما تقوم به لن يزيح عنها تلك الصفة.

واستبعد المحللون في مناطق سيطرة المعارضة السورية  بإدلب، أن ينجح سعي تركيا لدمج هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) مع الجيش الوطني السوري المعارض، بهدف إزالتها من قائمة “الإرهاب” ووصفوا الأمر بأنه  أقرب “للمستحيل”.

ونفى المتحدث الرسمي باسم الجيش الوطني السوري وغرفة القيادة الموحدة “عزم” الرائد يوسف حمود وجود طرح خاص باندماج الفصائل العسكرية مع هيئة تحرير الشام، أو تذويب الهيئة ضمن تشكيلات الجيش الوطني.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، تركيا لتسريع إنجاز “الهدف النهائي” في إدلب، مطالباً بإنهاء ملف هيئة تحرير الشام.

وقال لافروف، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره المصري سامح شكري، إن التهديد “الإرهابي” لا يزال قائماً في منطقة خفض التصعيد في إدلب، “بل يتزايد في بعض الأماكن”.

واعتبر أن “الهدف النهائي هو القضاء على هذه المجموعات الإرهابية. نحن نلتزم بهذا النهج. وكلما أسرعت تركيا في إنجازه كان أفضل”.

وشدد لافروف على أن بلاده “تؤكد بشكل لا لبس فيه على ضرورة التنفيذ الكامل للاتفاقيات بين الرئيسين بوتين وأردوغان، لعزل الإرهابيين، خصوصاً تحرير الشام مهما حاولوا تغيير لباسهم”.

ومنتصف أيلول/ سبتمبر الماضي، ظهر الشرعي العام في هيئة تحرير الشام عبد الرحيم عطون، في ندوة فكرية رعتها حكومة الإنقاذ بزي جديد بعد أن خلع زيه التقليدي الذي اعتاد الظهور به خلال السنوات الماضية.

واستبدل عطون ثوبه العربي والذي غالباً ما كان بألوان داكنة ببنطال وقميص فاتح، وبدا حاسر الرأس من دون الغطاء التقليدي الذي كان يضعه، وكان شعر لحيته أقل كثافة ومهذباً.

ويبدو أن الزي الجديد يهدف “الشرعي” من خلاله إلى إيصال إشارة لبداية مرحلة جديدة من التحولات، والتي من المفترض أن تهتم بشكل أكبر بتفاصيل المجتمع المحلي.

وهيئة تحرير الشام فصيل متشدد يدور في فلك تنظيم “القاعدة” على الرغم من إعلان زعيم الهيئة، أبو محمد الجولاني، في تموز/ يوليو 2016، فك الارتباط بـ”القاعدة” تحت ضغوط شعبية.

” طامح للسلطة”

قال المحلل السياسي السوري، نصر اليوسف، لنورث برس، إن الجولاني، “يسعى لإنهاء الجماعات الجهادية المتواجدة في إدلب، ليثبت للمجتمع الغربي أنه يقاتل ويكافح المتشددين في شمال غربي سوريا”.

وأضاف “اليوسف” الذي يقيم في العاصمة الروسية موسكو، أن ما يقوم به الجولاني “ما هو إلا محاولة منه للحصول على حصة في كعكة السلطة المقبلة في سوريا”.

وأشار إلى أن “الجولاني” أثبت مؤخراً أنه إنسان “براغماتي” يلعب لعبة المصالح، حيث أنه يرى أن الأمور في سوريا اليوم تسير باتجاه النهايات.

“وجدناه مؤخراً يتعاطى مع الصحافة الأجنبية ويغير لباسه ويظهر بشكله الأساسي ويفصح عن هويته، وكل هذه الأمور هي مقدمة لحجز مكان في السلطة مستقبلاً”. يقول المحلل السياسي.

وفي فبراير / شباط الماضي نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا أشارت فيه إلى ظهور الجولاني ببدلة رسمية على الطراز الغربي خلافاً لعادة ظهوره بالزي العسكري.

ورأت الصحيفة في تقرير ترجمته “عربي21″، أن التحول في خزانة ملابس الجولاني، جزء من عملية مدروسة لإعادة إخراج صورة الجماعة التي صنفتها الولايات المتحدة وتركيا كجماعة إرهابية، ومحاولة منها لضمان حصة لها في مستقبل سوريا.

وقال ” اليوسف”: “لذلك يريد أن يثبت للمجتمع الغربي أنه يقاتل ويكافح الجهاديين باعتبار أنه “شخص براغماتي ليس متطرفاً أو جهادياً وإنما هو يقاتل النظام السوري فقط كما يشيع إعلامه”.

بدوره يتفق أسعد الزعبي وهو محلل عسكري معارض مع سابقه في أن “الجولاني اليوم ينفذ الخطوة التالية في إظهار نفسه أنه ليس متطرفاً وهو اليد القوية التي يمكن الاعتماد عليها”، بحسب ما قال لنورث برس.

إعداد: براء الشامي- تحرير: فنصة تمو