منذر خدام
ما إن أعلن عن انعقاد الجولة السادسة للجنة الدستورية في جنيف، وما رافق ذلك من شحنات تفاؤلية بأن هذه الجولة سوف تكون مختلفة عن سابقاتها، وأن إنجاز ما سوف يتحقق خلالها سيكون مختلف عن سابقاتها، وأن جميع الأطراف هذه المرة بحاجة إليه، حتى أعلن عن تفجير إرهابي لباص مبيت عسكري تحت جسر الرئيس في قلب العاصمة دمشق قيل إنه ينقل موظفين وعمالاً في مؤسسة الإسكان العسكري راح ضحيته أربعة عشر “شهيداً” عداك عن الجرحى. وعلى غير العادة فقد أعلنت الجهة المنفذة للجريمة “الإرهابية” عن اسمها وهي سرايا قاسيون.
لا شك بأن الرابط قوي بين تفجير الباص العسكري بمن فيه، وما يجري من مناقشات في جنيف في إطار اللجنة الدستورية، بل سارعت وسائل إعلام عديدة، وضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالخبر، للقول إن هدف التفجير هو تفجير عمل اللجنة الدستورية، وهي وسائل بعضها يتبع النظام أو مؤيد له وبعضها الآخر يتبع المعارضة أو مؤيد لها. بطبيعة الحال مؤيدو النظام حملوا المسؤولية للقوى “الإرهابية” التابعة للمعارضة السورية، في حين حملت وسائل إعلام المعارضة النظام المسؤولية عن التفجير، وهذا أسلوب معروف لديه بحسب زعمها كلما أراد أن يعيق الحل السياسي ويتهرب من مسؤولياته تجاهه.
بغض النظر عن مواقف كلا الطرفين، المعارضة والموالاة، فإن أي تحليل رصين هادئ لا بد أن يصل إلى استنتاج بأن قوى في المعارضة وفي النظام لا مصلحة لها في أي حل سياسي، فهي تتغذى على القتل وسفك الدماء، وجاء هذا التفجير لباص المبيت العسكري في هذا السياق. في الحقيقة هذا ليس حدثاً منفرداً بل إن جميع جولات التفاوض السابقة بين ممثلي النظام والمعارضة قد ترافقت بأعمال عسكرية راح ضحيتها قتلى وجرحة من المدنيين السوريين. وبالمناسبة قبل حادثة تفجير الباص كان قد جرى قصف مكثف على مدينة أريحا السورية راح ضحيته أيضا العشرات من القتلى والجرحى من المدنيين، بل وعدت بعض مواقع التواصل الاجتماعي التابعة أو المؤيدة للمعارضة أن تفجير الباص ليس سوى الرد على جريمة أريحا.
في الواقع لم يتوقف العنف في سوريا أبداً إلا كاستراحة محارب، ففي البادية السورية حيث لا يزال يوجد جيب كبير ومؤثر لداعش لا يتوقف عن شن الهجمات على مواقع الجيش السوري، ولست أدري حقيقة ما الحكمة من الإبقاء على هذا الجيب، الذي يحمل النظام القوات الأميركية في التنف المسؤولية عن بقائه ودعمه. وعلى جبهة إدلب ورغم كل ما قيل عن تفاهمات ومساع روسية تركية إيرانية لتهدئة هذه الجبهة إلا أنها مع ذلك تشهد يومياً قصفاً متبادلاً بين المجموعات “الإرهابية” التي تدعمها وتحميها تركيا وبين الجيش السوري وحلفائه. وفي شمال شرقي سوريا لم تتوقف اعتداءات المجموعات “الإرهابية” المدعومة تركيا عن الاعتداء على بلدات وقرى المنطقة. وفي محافظة درعا ورغم التسويات التي تجري في جميع بلدات وقرى ومدن المحافظة برعاية روسية إلا أن عمليات القتل لم تتوقف أيضاً. وينبغي أن نضيف إلى ذلك كله الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على مواقع عسكرية سورية بحجة الوجود الإيراني فيها، لكن الضحايا دائماً هم من السوريين.
اللافت في حادثة التفجير “الإرهابي” تحت جسر الرئيس لباص المبيت العسكري ما تلاه بعد يومين من حصول تفجيرات في قاعدة التنف الأميركية، تحدثت عنها وسائل إعلام النظام وغيرها، وقالت إنها نفذت بطائرات الدرون، أو بالصواريخ بعيدة المدى بحسب مصادر إعلامية أخرى. لا شك بأن هذا الحادث سوف يضيف تعقيدات إضافية للمشهد العسكري السوري، وسوف تنسحب على المسار السياسي فتؤجله في أقل تقدير.
من المؤسف حقاً أن ثقافة القتل صارت ثقافة سائدة، حتى في حل الخلافات المدنية العادية، هذا يفجر طبيبا لامعا بعبوة ناسفة، وذاك يقتل أخاه وقريبته، وآخر يرمي قنبلة على خصومه وهم من أقربائه أمام دار القضاء، وسهل من كل هذه العمليات الإجرامية انتشار السلاح لدى الناس. ليس هذا وحسب بل يضاف إلى ذلك الحالات النفسية والعصبية المرضية لدى كثير من السوريين من جراء الأزمات الخانقة التي يعانون منها وانتشار الفساد عداك عن وباء كورونا.
في الختام لا بد من إدانة التفجير “الإرهابي” الذي حصل تحت جسر الرئيس ولا يجوز التحجج بأي ذريعة للتهرب من ذلك فهي جريمة “إرهابية” مكتملة الأركان والأوصاف، وينبغي الإسراع في القبض على الفاعلين وإحالتهم إلى القضاء لنيل جزاء ما اقترفت أياديهم. وينبغي أيضاً وبالقوة ذاتها إدانة جرائم قتل المدنيين السوريين في أي مكان آخر في سوريا ومن أي جهة كانت. ويبقى المسار الوحيد الذي يمكن أن يوقف قتل السوريين هو الحل السياسي، الذي يتحمل النظام المسؤولة الأولى عن إعاقته. السوريون يستحقون الحياة وليس الموت.