حروب النفط والكتشب

حين سئل الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، عن سبب قراره بالانسحاب من سوريا فقال: وماذا نفعل هناك؟ لا يوجد غير الغبار والموت. ولكن مع ذلك بقيت القوات الأميركية في المنطقة لأن مستشاريه نصحوه بالبقاء، خاصة وأن تواجدهم هناك لا يكلف الخزانة الأميركية، كما أن الأرباح المتأتية من وراء هذا التواجد كثيرة.

 وهنا قد يتساءل أحدهم عن أي أرباح نتحدث، وللإجابة نقول إنه ليس بالضرورة أن تكون تلك الأرباح قانونية أو مجدولة، وإنما تتعلق بصفقات فساد داخل الإدارات والمؤسسات الأميركية ذاتها، منها على سبيل المثال الإعلان عن تريلوني دولار في أفغانستان، ومع ذلك لم يلحظ أحد تطوراً يتناسب مع حجم المبلغ المعلن عنه، ومرد ذلك إلى الفساد الأميركي، فالمال خرج من الخزانة الأميركية ليصب في جيوب الشركات الأميركية ذاتها (من العب للجيبة)، ويبدو أن قرار بايدن بالخروج من أفغانستان لا يعود لرغبته في القضاء على الفساد وإنما في البحث عن منطقة جديدة تكون صالحة للفساد و(لحس الإصبع) بينما ينشغل العالم في تحليل الأسباب السياسية والأمنية للانسحاب الأميركية، وتلك الأسباب صحيحة بالرغم من كل شيء ولكنها ليست الأسباب الوحيدة، فهناك أسباب مخفية لدى الإدارات الأميركية المتعاقبة يكون الفساد المالي أحد أهم أسبابها ثم يتم خلق المبررات الأمنية والعسكرية.

في منطقتنا العربية تعودنا مثلاً على الحديث عن النفط كأحد أهم أسباب التآمر على دول المنطقة فعدنا لا نرى أسباباً أخرى واقعية أيضاً ومنطقية، وينحصر جل اهتمامنا في تفسير تلك المؤامرات على أساس من الطمع بالنفط العربي، ولكن ماذا عن مواد أخرى أقل أهمية بما لا يقاس مع النفط لكن أرباحها لا تقل عن أرباج النفط إن لم تتجاوزها في بعض السنوات، هل فكرتم في مادة (الكتشب) على سبيل المثال؟ هذه المادة البريئة يبلغ حجم تجارتها السنوية مائة وتسعة وثمانين مليار دولار، هذه الصناعة البسيطة القائمة على البندورة والفلفل والتي تقول تقارير اقتصادية إن ثمانية وتسعين بالمائة من بيوت العالم تحتوي على زجاجة قيد الاستعمال من مادة الكتشب.

في عودة إلى الحروب يظن معظمنا أن إيقاظ الحروب متعلق بالدرجة الأولى بالسلاح وربما يكون هذا صحيحاً ولكن السلاح ليس الشيء الوحيد الذي يتم استهلاكه بشكل مكثف خلال الحروب والصراعات المسلحة، فهناك أيضاً الأدوية وخاصة المعقمات وأدوية الالتهاب وصناعة القطن والشاش الطبيين وصناعة الخيام للاجئين، ناهيك عن انتعاش صناعات المعلبات والأغذية المجففة، ولا يمكن أن نذكر الصراعات المسلحة دون المرور على الملابس العسكرية فهي تعتبر من أهم السلع التي يتم استهلاكها خلال الحروب خاصة فيما يتعلق بالتصميم، ويقال أن اللباس العسكري لفصيل فتح الشام وجبهة النصرة كان من نصيب شركات ملابس تحمل علامات تجارية عالمية ومشهورة جداً كما أن الجيش السعودي وجيش فيجي والجيش الجزائري والإنكليزي يلبسون ملابس يتم تصنيهعها في المملكة المتحدة، والملابس العسكرية يتم استهلاكها مرتين سنوياً على أقل تقدير، وبالتالي يمكن تخيل كلفتها وأرباحها وحجم تجارتها عالمياً.

الحروب بالنسبة للاقتصاد العالمي تشبه البراكين بالنسبة للكرة الأرضية، فكما تتنفس الأرض عبر الحمم البركانية كذلك يتنفس الاقتصاد العالمي عبر إتقانه هذه الحروب والصراعات التي تنتشر على مدار العام وعلى كافة بقاع الكرة الأرضية باستثناء الدول التي تصنع وتقدم للمتقاتلين كل أنواع الأسلحة والأدوية والخيام والملابس، ووسائل النقل والأغذية المعلبة.

يصنّع العالم سنوياً نحو ثمانية مليارات إطار مطاطي، ويتجاوز حجم التجارة العالمية للإطارات أربعمائة مليار دولار، ولك أن تتخيل أهمية مادة المطاك بالنسبة للشركات التي تصنع الإطارات وخطورة انقطاع هذه المادة على أرباحها ومصانعها، وهذا المبلغ الكبير سيدفع أصحاب الشركات لتغيير حكومات ودول وإيقاظ حروب وإنعاش أحقاد في مقابل الحصول على مادة المطاط لاستمرار أرباحها ودوران عجلة اقتصادها.

إذن ليس بالنفط وحده تحيا الحروب فهناك الكثير من السلع التي لا نوليها اهتماماً ولكنها تجارياً تعادل أرباح النفط.