بين آثار الحرب وحرب الآثار.. ماذا تريد تركيا؟

دمشق ـ نورث برس

مع كل الأفعال التي تقوم بها تركيا في الآونة الأخيرة، ولا سيما في حربها على المناطق والبلدات السورية المتاخمة لها، كما جرى في كوباني شمالي سوريا، في الأيام الفائتة، وسيطرتها على بعضها كعفرين وغيرها، ومع كل الغموض الذي يلف سياستها، بدت في السنوات الأخيرة عمليات الحفر في المناطق الجنوبية لها، ولسوريا، والتنقيب عن الآثار التي تخص حضارات هذه المنطقة بالذات. وتزايدت في الآونة الأخيرة هذه الأعمال لتبلغ حدَّاً لافتاً.

وآخر هذه الأعمال، وليست الأخيرة، ما نشره موقع “لايف ساينس”، يوم الجمعة الماضي، خبراً مفاده أن علماء الآثار في تركيا اكتشفوا موقعاً أثرياً يعود عمره إلى 11 ألف سنة، يحتوي على مواكب طقسية – احتفالية – دينية.

وجاء في الخبر المنشور، أن الموقع الذي يطلق عليه اسم “كاراهنتيبي” يقع في جنوب تركيا، ويحتوي مبان أثرية يعود تاريخها إلى أزمنة غارقة في القِدم، أي قبل اختراع الكتابة.

وجد علماء الآثار داخل هذه المباني الأثرية منحوتات عديدة، من رؤوس بشرية، ومنحوتات أخرى تعود للحيوانات كالثعابين والثعالب.. هذا، بالإضافة إلى أعمدة كثيرة مصممة بطريقة فنية مثيرة للاهتمام.

ووفقاً لمعطيات الخبر، فقد اكتشف فريق الآثار 11 عموداَ بالقرب من رأسٍ بشريٍ نحتيٍّ، وصممت جميعها على شكل فطر، وهذا ما شدد عليه أيضاً نجمي كارول، وهو عالم آثار وباحث في تاريخ عصور ما قبل التاريخ في جامعة إسطنبول، وذلك خلال بحثٍ علميٍ نُشِر مؤخراً في مجلة تورك أركيولوجي.

وأشار “نجمي” إلى أن العلماء لم يعرفوا إلى الآن أسباب هذا التصميم للأعمدة والمعنى منه، فهو غير واضح ومفهوم حتى الآن.

وقال إن الأدلة تشير إلى أن القدماء ربما استخدموا هذا الموقع الأثري المثير للاحتفالات والطقس الديني، حيث يقوم المحتفلين بالدخول من طرف والخروج منه في الطرف الآخر.

ماذا تريد تركيا، وإلى أين تتجه؟ سؤال طرح نفسه على المحللين السياسيين بشكل متزايد خلال العقد الماضي، خاصة، منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في العام 2002، مما أدى إلى تغيير جذري في السياسة التركية، تحولات عميقة شملت الحرب والثقافة وتطبيقاتها، خاصة في سوريا، بحسب أهم المهتمين في الشأن التركي.

ويرى أن قيام تركيا بالتنقيب والبحث عن الآثار، لا يدخل ضمن زياد معرفتنا بالحضارة الإنسانية، إنما هو أسلوب آخر من أساليب القوة الناعمة التي تستخدمها تركيا في نطاق واسع نتيجة الصدمة المؤلمة المرتبطة بانهيار الإمبراطورية العثمانية، وشعورها بالعودة إلى سابق عهدها، بكافة الوسائل، ومن هذه الأساليب، الثقافة، والبحث عن الآثار.

وكما جاء في كتاب أحمد داود أوغلو “العمق الاستراتيجي”، فقد وجد الأتراك الجدد أن عليهم صياغة “رؤيا كونية لسياستهم.. والبحث عن سبل تمكن بلادهم من لعب دور محور في السياسة الدولية”.

وكما تم تفصيله في كتابه، فإن تركيا تولي أهمية خاصة لموقعها الجيوسياسي، وهذا الأمر يدفع بالكثير من المراقبين للسياسة التركية في الحرب الثقافية لاعتبارات وأبعاد أخرى.

وتعتبر الحدود الواقعة بين تركيا وسوريا أطول حدود لتركيا مع بلد آخر، ما كان له دلالات متعددة عبر تاريخ العلاقات بين البلدين. فمن ناحية، كانت تسود علاقات تعايش سلمي بين البلدين كانت هذه الحدود تُسهِّل التواصل.

أما في أوقات الصراع فقد كانت هذه الحدود تشكل خطّاً للتوتر وللفصل. ومن ناحية أخرى، فإن المنطقة الحدودية، من الجهتين، هي منطقة غنية بالآثار، ولها مميزات خاصة، والتي يمكن أن يجعلها تدخل في “العمق الاستراتيجي” لتركيا.

إعداد وتحرير: نور حسن