نائب فاعل

يحلو للزعيم العربي أن يؤكد (قولاً)، مراراً وتكراراً، تمسكه وتمسك الشعب باللغة العربية وقواعدها، ولكنه (فعلاً) يقوم بكل ما يعاكس قواعد اللغة، فترى إصرار الزعيم على التصريح بأنه الأول والأخير الذي لا قبله ولا بعده وبأنه الفاعل الأساسي والرئيسي في كل الألعاب السياسية التي تحدث، وفي الحقيقة هو لا يعدو عن أنه نائب فاعل، ونائب الفاعل في التعريف اللغوي هو (مفعول به ينوب عن الفاعل) والزعيم مفعول به فعلاً من الخارج ونائب عن فاعل بشعبه، ونائب الفاعل مرفوع بالضمة فيما تتمنى الشعوب أن ترى زعيمها مرفوعاً بالمشنقة، ولا يأتي نائب الفاعل مجروراً رغم أن زعماءنا السياسيين مجرورين دوماً من ياقاتهم أمام الأميركي والروسي والإسرائيلي والتركي والإيراني والأوربي وحتى اللاتيني وجزر المحيط الهادي، كما قد يُجمع نائب الفاعل جمع تكسير إذا جاء بصيغة الجمع.

والزعيم العربي لا ينوب عن شعبه بل ينوب عليه ويعمل لرفع علامته أمام القوى الدولية التي عينته وحمته، ومن أشكالها أن يلعب الزعيم دور نائب الفاعل في الحرب الباردة الجديدة التي تستعر في المنطقة، فبعضهم يكون نائب فاعل (جمع تكسير) لصالح الروس والبعض الآخر لصالح الأميركان، وهنا تظهر الحقيقة اللغوية لنائب الفاعل، إذ تظهر مساعيه لا في رفع حالة البلاد والشعب وإنما في رفع البلاد والشعب على الخوازيق التي تأتي سريعة، فلا يكون المواطن قادراً على إعرابها لغوياً فيقع في الخفض المذكر السالم بدلاً عن الرفع المذكر السالم، وللأسف لم يحدد اللغويون طبيعة هذا المذكر هل هو عاقل أم غير عاقل، ولذلك نجد كل المرفوعين يتساوون في هذه الناحية، فهم غير واضحي المعالم ولا يستطيع المواطن تحديد ما إذا كانوا بهائم أم آدميين أم بني عجلان أم بني وضحة.

والشعب أيضاً يمكن أن يكون نائب فاعل ويقوم مقام المفعول به، فإذا أراد أن يقوم مقام الفاعل فإنه بكل يد مضرجة يدق والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى في تاريخنا وحاضرنا، إذ لا ينبغي للشعب أن يتعدى القواعد أو تجاوز حدود اللغة المرسومة له سلفاً (مفعول به يعني مفعول به) وعند أدنى محاولة لتغيير الوضع اللغوي يجابه المفعول به بجمع التكسير السالب وتتكسر القواعد على رأسه ورأس (اللي جابوه) فيحدث فيه الجر والضم والفتح والكسر، فإياكم والغلط لأن خيرالأمور الوسط، والوسط هنا كما يصفه أحد اللغويين بالقول: (يللي وسطك وسط كمنجة وعودك مرسوم عالسنجة) فكل شيء مرسوم (عالسنجة).

أما ما يتعلق بكان وأخواتها فإنهم يعشن على المعونات الدولية في مخيمات اللجوء بعد تهديم قواعدهم على رؤوسهم وهربهم من القصف وبات من الصعب أن يأتي نائب الفاعل في محل خبر أو اسم كان وأخواتها و لا إن وأخواتها.

ومن صور نائب الفاعل أن يختار الفاعل نائبه ويحميه ويدعمه بكل مستلزمات البقاء كنائب يجمع ويحصد خيرات البلد ليسلمها إلى الفاعل الحقيقي تماماً كما كان يحدث أيام الاحتلال التركي حين كان المحصل يدفع الأموال للحصول على التزام جمع الضرائب من منطقة معينة ثم يطلق الفاعل الحقيقي يده ليفعل ما يشاء كي يحصل ما دفعه للفاعل وزيادة الأرباح التي يقررها نائب الفاعل (المحصل) والتي دفع التسعة كما يقولون ليحصل على العشرة.

أما ما يتعلق بالبرلمانات ومجالس نواب الشعب فلا علاقة لها بالنيابة عن الفاعل، فقواعدياً يتطلب ذلك شعباً فاعلاً ليكون له نائب فاعل، فلا نواب فاعلين بدون مجتمع فاعل لا يقوم مقام المفعول به.