لا أعتقد أن شخصا سورياً أو عاش في سوريا لم يمر بتجربة الوقوف على حواجز التفتيش المنتشرة كالجدري في طول البلاد وعرضها والاحتجاز على الحواجز والمرافق الاحتجازية، ولا يتوقف على الأشخاص بل يتعداه إلى الأنهار أيضاً، فنهر الفرات يقف على حاجز تركي ويحرم سكان شمال سوريا والعراق من حصتهم المقررة دولياً من المياه، والغريب أن مجلس الشعب السوري لم يصدر عنه أي تنديد، ولم يقف عضو واحد في هذا المجلس ليتسنكر احتجاز مياه الفرات، فمجلس الشعب خرج من العمل السياسي ليدخل نخرة أسعار البصل والثوم والبطاطا منذ أن فاحت ريح التصحيح. والأعضاء المذكورون إن انتفضوا على احتجاز الفرات وجب عليهم الانتفاض على احتجاز نهر بردى الذي يقف على حاجز الإهمال بانتظار أن يضرب له رجال الأمن (فيشة) على الكومبيوتر والتأكد من أنه لا يقبض سيولاً من الخارج، ولن يطلق سراحه حتى يوقع على تصريح يقول فيه إن جفافه كان بفعل مؤامرة إمبريالية – صهيونية – خليجية – رجعية – عربية هدفها تجفيف ينابيع المقاومة والصمود والتصدي.
ومنذ هبوب ريحة التصحيح بتنا نعرف لماذا ينتقل اللبنانيون من مختلف أنحاء العالم بالطائرات للمشاركة في الانتخابات على مستوى المخاتير ورؤساء البلديات بينما يتم أخذ السوريين عنوة لممارسة الديمقراطية رغماً عنهم بالباصات الخضراء.
وعلى سيرة مجلس الشعب سيئ الذكر والسيرة فإنه لم يصدر عنه منذ خمسين عاماً أي قانون بصفته المؤسسة التشريعية، حتى أن قانون الطوارئ تم فرضه وإلغاؤه دون المرور على مجلس الشعب، ولا يحق للأعضاء أن يكرهوا إلا ما يكرهه الرئيس ولا يحق لهم أن يحبوا إلا ما يحبه السيد الرئيس حامي الحمى وراعي الفلا والمفكر الأول والطبيب الأول والسجان الأول والمجرم الأول، فالجميع يلتزم بمشاعر السيد الرئيس، فإن حقد حقدوا وإن وافق وافقوا وإن رفض رفضوا وإن نام سهروا على راحة البلاد في استديو النهضة على أنغام القانون الذي لا يعرفون أوتاره.
وعلى سيرة الخريف الذي لم يأت أحد على سيرته لا يمكن مروره دون مرور فيروز مع ورقها الذي اصفر وهي تنتظر بأيام البرد و”بأيام الشتي” أن تأتيها رسالة البنزين أو رسالة الغاز أو رسالة الخبز، ولأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان فقد ازدادت أعداد الجوعى ونقص الخبز على الموائد واستعيض عنه بمحاضرات المقاومة والصمود التي شبع منها المواطن السوري ومسح شاربيه من الزفرة وحمد ربه على هذه النعم، ومن أهمها وليس آخرها نعمة علي الديك الذي استيقظ السوريون في الصباح الباكر استجابة لندائه الشهير (طل الصبح ولك علوش) وخرجوا (ليقمقشوا) حطباً مع اقتراب الشتاء وانقطاع المحروقات والكهرباء وكل وسائل التدفئة العصرية، وللحصول على الخبز لا بد من الحصول على القمح والقمح في الحقل والحقل فيه علي الديك وحبيبته (تسنبل) خلفه، أي لم يتركا حبة قمح لا للفقراء ولا حتى للعصافير، تلك العصافير التي يفيق علوش على تغريدها الصادر من قذائف المدفعية والبراميل المحشوة بالموسيقا والموت.
طبعا هذا الكلام لن يعجب مثقفي النظام ولا إعلامييه الذين يعيشون في القصور ويتركون للناس العيش في قصور الشريان التاجي وقصور اليد وامتداد النظر، وقديماً قال المثل السوري (العين بصيرة والإيد قصيرة).