القهوة العربية في الرقة.. تراث عميق لا يخالف أو يترك

الرقة – نورث برس

لا تزال العشائر في الرقة، شمالي سوريا، تحافظ على عادات قبلية وطقوس مرافقة أثناء تقديم القهوة العربية، وهي عادات توارثتها العشائر والقبائل العربية منذ مئات السنين ولا يمكن، بحسب قولهم، مخالفتها أو التخلي عنها، فهي تعد جزءاً أساسياً من الضيافة.

وتلعب القهوة العربية دوراً اجتماعياً في حياة سكان منطقة الرقة التي تضم 36 عشيرة، فقلب “الدلة” وسكب القهوة حداداً على شيخ العشيرة، وإصدار صوت خفيف تنبيهاً للضيف، وهز الفنجان يميناً وشمالاً دلالة على أخذ المضيف حاجته من القهوة.

وعند سكب القهوة وتقديمها للضّيوف يجب أن تبدأ من اليمين، أو تبدأ بالضيف مباشرةً إذا كان من كبار السّن، والمُتعارف عليه أنّك تصبّ القهوة حتّى يقول الضّيف: “كفى”، أو يهزّ فنجان القهوة، بحسب ما أورده الباحث أسعد الفارس في كتابه “شعب ومدينة على الفرات الأوسط”.

ومن مهارة صبّ القهوة أيضاً أن يصدر الساكب صوتاً خفيفاً أثناء ملامسة الفنجان لـ منقار “الدلّة”، و يُقصَد بهذه الحركة تنبيه الضّيف إذا كان شارداً، أما في الأحزان كالعزاء أحياناً فعلى مقدم القهوة ألا يصدر صوتاً ولو خفيفاً، بحسب “الفارس”.

“رمز من رموز الكرم”

ويقول قحطان المحمد (45 عاماً) وهو أحد أفراد عشيرة العفادلة في الرقة، إن القهوة العربية تعد رمزاً من رموز الكَرَم عند العشائر، وهي “دلالة على الترحيب بالضيف وإكرامه في المجلس أو البيت الذي قصده”.

وتُعدّ القهوة وبحسب تعبير “المحمد” مظهراً من مظاهر الرّجولة في نظر العرب، “يُفاخرون بشربها كما تعبر عن الكلام والكرم والفرح والحزن أيضاً”.

وللقهوة العربية طريقة تحضير نوعية تحتاج لخبرة حتى لا يتم إفسادها أو يحدث تغيير في مذاقها المعتاد والمتعارف عليه.

وتبدأ طريقة تحضيرها بأن تُحمّص القهوة أوّلاً على النار بواسطة إناءٍ معدنيٍ مقعرٍ يُسمى “المحماسة”، وتُحرّك القهوة حتى تنضج جميع جهاتها بواسطة ملعقة طويلة.

و”المحماس” هو إناء من الحديد أو النحاس مدور له ذراع يمسك بها، وتوضع فيه حبوب القهوة لتحميصها على النار.

ومن ثم تُطحن القهوة بواسطة إناء معدنيٍ يُسمّى “النّجر” وتوضع مع بهاراتها المعروفة كالهيل، في “دلة” كبيرة تُسمّى “القمقوم” أو “المبهار” ثم تُسكَب بعد عدّة عمليات مُركّبة في “دلة” مناسبة وتُقدّم للضّيوف.

النّجر
النّجر

و”القمقوم” هو دلة كبيرة تحفظ فيها القهوة، وتكون مصنوعة من النحاس.

أصول تقديم القهوة

ويقول محمد الهواش، عضو مكتب العلاقات العامة في مجلس الرقة المدني، إن للقهوة آداباً واحتراماً، فإذا كان لأحدهم طلب عند شيخ العشيرة أو المُضيف، فيضع فنجانه وهو مملوء بالقهوة على الأرض ولا يشربه.

ويلاحظ المُضيف أو شيخ العشيرة ذلك، فيُبادره بالسؤال: “ما حاجتك؟” فإذا قضاها له، أمَره بشرب قهوته اعتزازاً بنفسه، وإذا امتنع الضّيف عن شرب القهوة وتجاهله المُضيف ولم يسأله ما طلبه؛ فإنّ ذلك يُعدّ عيباً كبيراً في حقّه، وينتشر أمر هذا الخبر بين العشيرة.

ويشير “الهواش”  إلى أنه عند تقديم القهوة للضيف يجب أن تكون ساخنة صافية في دلتها، ويكون من يقدمها إما من أبناء المضيف أو أحد أقربائه ممن لديه خبرة في عادات تقديمها أو المضيف نفسه، ويجب أن يعرف مكان وقوفه أمام الضيف، ولا يحجب الرؤية عنه.

وعند الانتهاء من تحضير القهوة ووجود ضيوف أو أشخاص من أبناء العشيرة في المجلس، فتكون طريقة تقديم القهوة حسب وجود وترتيب الأشخاص في المجلس.

فإن كان الضيوف شيوخ عشائر وأكثر من واحد ومن مقام واحد على مستوى عشائر المنطقة، فعلى المضيف إحضار صبابي قهوة بعددهم ليصبوا لهم، وفى آن واحد ومن ثم إلى بقية الموجودين.

وإذا لم يكن هناك ضيوف وكانوا من العشيرة، فتصب القهوة أولاً إلى أكبرهم سناً وذلك دلالة على احترام كبار السن، بحسب شيوخ عشائر تحدثوا لنورث برس.

ويذكر “الهواش” أن عادة القهوة تأثرت أثناء سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية(داعش) على الرقة عام 2014، “لأنه لم يبقَ رواد ضمن المجالس نتيجة ممارسات التنظيم وضغوطاته على السكان والشيوخ في المنطقة”.

فناجين خاصة

ولفناجين القهوة ثلاثة أنواع، فكل فنجان يدل على شيء معين وهي، “فنجان الضيف وفنجان الكيف وفنجان السيف”.

و”فنجان الضيف” هو أن يصب الفنجان كضيافة كما أنه بمثابة الخبز والملح في إشارة إلى الود بين الضيف والمضيف.

و”فنجان الكيف” يصب فنجاناً آخر بعد الأول للضيف دلالة على الراحة والسعادة والتلذذ بالقهوة.

أما “فنجان السيف” فكان يعني إذا داهم المضيف شخص ما فعلى الضيف أن يدافع عنهم.

والفناجين مهما تعددت أسمائها تبقى باللون الموحد الأبيض ويرافقه اللون الأخضر والأحمر أو الأزرق أحياناً، إلا أن المضيف يعرف ضيفه من خلال تصرفاته إذا كان قادماً لزيارتهم أم هناك خطب ما أو لطلب شيء ما، بحسب وجهاء عشائر في المنطقة.

إعداد: عمار حيدر – تحرير: عمر علوش