ثورة اللحمة بعجين.. حين سلمنا مستقبلنا ودماء شهدائنا لحفنة من الخونة

فؤاد حميرة

نتابع في هذه المقالة ما كنا بدأنا الحديث عنه بالأمس حول الرؤية المستقبلية لزياد الرحباني فيما يتعلق بالثورات وتطورها في عالمنا العربي. قلنا أن شخصية (رشيد) في مسرحية فيلم أميركي طويل هو أحد ضحايا الحرب (يلعب دوره زياد ) وهو يقول طيلة العرض جملاً غير مترابطة أو هكذا قد تبدو للوهلة الأولى ولكن مع تطور الشخصية في العمل نكتشف أن لهذه الجمل أساس وأنها ليست مفككة كما تبدو وإنما هناك رابط يجمع شتاتها ولكن هذا الربط غير موجود إلا في عقل المريض (رشيد) والذي يفصح عنه بالتدريج أو لنقل يفصح عنه المشاهد بالتدريج بعد تحليل هذه الحوارات المفككة.

(أبو الجواهر) هو الأكثر تأثيراً في وصول رشيد بطل المسرحية إلى مشفى الأمراض العقلية، ويشرحها رشيد بطريقة أداء راءعة من زياد الرحباني لنكتشف أن (أبو الجواهر) هذا كان مواطنا عاديا في الحي ولكن مع اندلاع الأحداث أصبح شيئاً فشيئاً مسؤولاً عن حماية الحي الذي يقيم فيه، وكذلك قام بتكليف رشيد بمهمات الحراسة، ومن هنا بدأ رشيد بحكم عمله في الحراسة، يرصد التحولات التي تطرأ على الحي، فالجميع أصبح مسلحاً، كما دخلت أسلحة ثقيلة من بينها صواريخ آر بي جي وقنابل ورشاشات متوسطة ما يعني أن التحضير لمجزرة ما يجري قائم على قدم وساق.

يختفي أبو الجواهر فجأة ثم يعود بعد فترة متغيراً جداً ومغروراً جداً (لا بتعرفه ولا بيعرفك، وقاعد يطلع بهالعالم هيك… شو هالزبالة هي، شو هالعالم هي)؟ إذا عاد أبو الجواهر زعيما ثوريا ولكن ما يثير حفيظة رشيد هي ذهوله من تغير نظرة أبي الجواهر لأهل الحي، لجيرانه وأهله، فهم عنده (زبالة) وأناس لا يمكن رؤيتهم لصغرهم وهنا يطرح رشيد سؤاله الذي أودى به للجنون (ما كان زعيمها ، ليش قلب عالعالم؟) .

الزعماء يأتون من الشعب فالمشكلة، وفقاً لزياد، ليست في الزعماء فقط (متل ما فيه زعما كمان فيه شعب) وهذا ما حصل بالضبط في الثورة السورية كأن زياد يتحدث عنها وعن التطورات التي سنمر بها قبل أربعين عاما تقريبا. ألم نسلم مستقبلنا إلى حفنة من الجهلة والخونة والعملاء والرخيصي الضمير؟ ألم نسلم دماء الشهداء لتلك الثلة من (البياعين) وتجار الدم والمواقف وبائعي الكلام؟ ألم نسلم حريتنا إلى أميين لا يفهمون أصلا معنى الحرية؟.

نعم أيها السيادة، وتكفي نظرة سريعة على متسيدي المشهد الثورجي سياسيا وعسكريا واقتصاديا لنكتشف الحقيقة المرة، أننا أسلمنا قيادنا إلى من نظنهم أهلنا وكما يقول محمود درويش في قصيدته الشهيرة (بيروت) في وصف للفلسطيني الثائر الذي يشبه السوري الثائر الحقيقي (سبايا نحن ..أسلمنا الغزاة إلى أهالينا، فما كدنا نعض الأرض، حتى انقض حامينا على الأعراس والذكرى) هذا نحن ببساطة أيها السادة سبايا هذه الثورة وضحايا هذا النظام، وقعنا ضحية بائع ومشتري ثم إلى بائع جديد ومشتر جديد، سلعة يتاجر بنا أصحاب الشعارات البراقة وأصحاب المشاريع السياحية، نحن سبايا أولئك الخائفين على رواتبهم من تركيا، ولقد أعلنوها أمامي صراحة في أكثر من مرة وعلى لسان أكثر من قيادي بأنهم إذا اتخذوا هذا الموقف أو ذاك ضاعت عليهم مرتباتهم، ونحن؟.

لا مشكلة إذا ضاعت رواتبنا وبقينا في الشارع فالجميع يطالبك بموقف وطني، موقف ثوري دون أن يقدم أدنى مستلزمات هذا الصمود، إن صمودهم يذكرني بدعوات الصمود التي يطلقها النظام لمؤيديه، أي صمود هذا والبلد يعاني الانهيار بل والدمار الاقتصادي والفساد، ماذا قدمت للشعب السوري أيها النظام ليصمد، ليتمكن من الصمود، وهذا ما فعله قياديو الثورة سياسيا وعسكريا، أن تبقى مواقفك نظيفة وأنيقة ومكوية بشكل جيد دون أن يقدموا لك أي شيء، فيما ينعمون هم بالمناصب والأموال والتجارة، ومؤتمرات السياحة السياسة (تحت مسمى مؤتمر للمعارضة) فيقبضون مئات آلاف لدولارات باسم تلك المؤتمرات، يقبضون الملايين عن صمتهم وسكوتهم على كل التجاوزات وإن فتحت فمك بكلمة اعتراض سخروا أقزاهمهم وأقلام موظفيهم للنيل منك والطعن بمواقفك. هذه ثورة (أبو الجواهر) قولا وفعلا، هي ثورة عباس وفهد التي تصمت وتأجل الثورة لأجل ساقي راقصة وحفنة من ثروة.

حين طالبت بإدانة الاحتلال التركي أسوة بإدانتنا للاحتلالين الإيراني والروسي قال بعض القياديين في الائتلاف (ما منقدر نزعل تركيا) .