رغم تضرر البيئة.. الحطب ملاذ عائلات في الرقة

الرقة – نورث برس

مع اقتراب حلول الشتاء ينطلق محمد الخلف (33 عاماً)، من سكان بلدة الكرامة شرق الرقة، في ساعات الصباح الأولى باتجاه مزرعة القادسية والنخيل القريبة بحثاً عن الأشجار، حاملاً معه معدات لقطع وجمع الحطب بهدف بيعه.

في هذه المنطقة يحاول سكانٌ الاستعداد مبكراً لتأمين ما يلزم لمواجهة موسم البرد المقبل، وتختلف وسائل التدفئة من أسرة لأخرى فيعتمد البعض على المحروقات بينما يضطر آخرون لاستخدام الحطب لتكلفته الأقل.

ويقولالخلف: “عم اجمع حطب وبيعه مشان أصرف على عيلتي”.

وتقطيع وجمع الحطب من المهن الموسمية الشاقة، لجأ إليها الخلف كما غيره بسبب ندرة فرص العمل في ظل ما تعيشه المنطقة من ترد اقتصادي بعد أن منيت الليرة السورية بخسائر فادحة خلال العامين الماضيين.

كما أن انتشار جائحة كورونا وما رافقها من فترات إغلاق متتالية خلال الفترة الماضية جعلت ذوي الدخل المتدني والمحدود أمام تحديات كبيرة.

وفي ظل هذا الوضع، تضطر عائلات في الرقة لاستخدام الحطب كوسيلة للتدفئة بسبب قلة تكلفته مقابل المحروقات.

مهنة شاقة

ويقول “الخلف” إن مهنة جمع الحطب تحتاج إلى جهد جسدي مضاعف، ونفس طويل وصبر في البيع، نتيجة تفاوت أسعاره من موسم لآخر، واختلاف ظروف الأسواق.

وفي السابق كانت الغابات في الرقة، كثيفة بالأشجار يخرج منها مئات السيقان والجذوع، لتتحول إلى حطب، لكن مع قلة الأمطار والاعتماد السكاني الكثيف عليها كبدائل للمحروقات والكهرباء تقلصت مساحات الأراضي المشجرة كما قل عدد العاملين في المهنة.

ويرجح “الخلف” أن انخفاض عدد العاملين في هذه المهنة مقارنة بما كانت عليه في السابق، يعود إلى الجهد الكبير الذي تحتاجه، مقابل المردود المادي الضعيف.

ووصل سعر الطن الواحد من الحطب العام الفائت في الرقة، إلى ما يقارب 100 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 30 دولاراً أميركياً. 

تجارة وجودة

يقول عاملون في المهنة إن أشجار الزيتون والحمضيات بأنواعها تعتبر من أجود أنواع الحطب، لأنه يمتاز بطول مدة اشتعاله، وصلابته، وقدرته على تشكيل الجمر.

وخلال الفترة الماضية شاعت تجارة الحطب في عددٍ من المناطق السورية بعد ارتفاع أسعار المحروقات، ما دفع ببعض السكان إلى إنشاء مستودعات بالقرب من منازلهم.

علي الخميس (36 عاماً)، من سكان رقة سمرة شرق مدينة الرقة، أحد هؤلاء التجار ويعمل في بيع الحطب منذ خمس سنوات، يقوم بشرائه من العمال بعد تقطيعه، بكميات كبيرة ويخزينها في مستودع بجوار منزله.

ويقيّم “الخميس” أسعار الحطب وفقاً للنوع، ونسبة الرطوبة والجفاف، وطريقة تقطيعه. 

ويقول: “أغلى أنواع الحطب هو الزيتون بسبب سرعة اشتعاله كونه يحتوي على نسبة جيدة من الزيت، وطول المدة التي يبقى فيها مشتعلاً”.

ويأتي حطب السرو كأرخص نوع بسبب كثرته وانتشاره وصعوبة اشتعاله، إذ يحتاج لمادة مساعدة مثل المازوت للاشتعال، لكن معظم السكان يبحثون عما هو أرخص، بحسب “الخميس”.

محروقات غير كافية

منذ أن بدأت الإدارة الذاتية في إدارة هذه المنطقة في العام 2017 تقوم إدارة المحروقات بتوزيع مادة المازوت على السكان عن طريق البلديات والمجالس وكومينات الأحياء على شكل دفعات.

ويتم التوزيع، وفق نظام البطاقات، إذ تخصص للعائلة الواحدة كمية تقدر بـ 440 لتراً، لكن يقول سكان إن الكمية لا تكفيهم خلال الشتاء.

ويقول خالد العبد الله (41 عاماً)، من سكان قرية رقة سمرة، ويعمل في ورشة حدادة، إنّ العائلة الكبيرة تحتاج على الأقل إلى برميلي مازوت خلال الموسم الواحد.

واستلم “العبد الله” في العام الماضي، مخصصاته من المازوت نهاية شهر أيلول/سبتمر، لكن الكمية لم تكفه حتى نهاية الفصل مما دفعه لشراء الليتر الواحد بسعر 480 ليرة سورية من السوق السوداء.

ووصل سعر مازوت التدفئة في السوق السوداء إلى 800 ليرة سورية، بعد أن كان بـ480 ويتفاوت السعر حسب النوعية والجودة، طبقاً لأصحاب محطات توزيع في المدينة.

واضطرت عائلات خلال العام الفائت لشراء مدافئ الحطب عوضاً عن مدافئ المازوت،في حين عمد البعض  إلى تحويل مدفأة المازوت إلى مدفأة حطب.

ويقول إبراهيم الجمعة (36 عاماً)، من سكان مدينة الرقة، إن خيارات التدفئة لدى السكان متعددة لكنها لا تناسب الدخل اليومي في ظل التدهور الاقتصادي الذي تعيشه المنطقة.

ويضيف: “الحطب يعد من أنسب الخيارات، بسبب توفر مدافئ الحطب ومستلزماتها بأسعار مقبولة”.

لكن يواجه معظم المستخدمين صعوبة تخزينه في المنزل لضيق المكان ما يضطرهم لشرائه بكميات محدودة، بحسب “الجمعة”.

ضرر على البيئة

يقول يوسف الشيخ (44 عاماً)، وهو مهندس زراعي يعيش في مدينة الرقة، إن توجه السكان إلى الاحتطاب الجائر يتسبب بمشاكل بيئية، “إذ يقوم البعض باقتلاع الأشجار من جذورها”.

ويضيف: “هناك العديد من الحيوانات تحتمي بهذه الأشجار، كما أن قطع الأشجار المثمرة تتسبب برتاجع الإنتاج خاصة في ظل عدم زراعة المزيد منها”.

لكن بالرغم من كل ذلك فإن تأمين وسائل التدفئة “أصبحت هاجساً لدى معظم السكان حتى لو كان على حساب البيئة ودون التفكير بعواقبها”، بحسب “الشيخ”.

إعداد: عمار حيدر ـ تحرير: عمر علوش