لا شيء ينطبق على وضع سوريا حالياً، وخاصة ما يتعلق بحدث هام مر في اليومين الماضيين، أكثر من مسرحية (شي فاشل) للمبدع حقاً زياد الرحباني، يتعلق الحدث بنشر صحيفة (نيوزويك) الأمريكية تحقيقاً عن بشار الأسد تحت عنوان (لقد عاد) في إشارة واضحة إلى أن رئيس النظام السوري انتصر في حربه على الثورة، الأمر الذي يعطي للأسد ومؤيديه دفعة من الثقة يحتاجها كلا الطرفين لتعزيز التأكيد على أن نصف الشعب السوري (الوطني والشريف) انتصر على النصف الآخر من الشعب السوري وهو النصف (العميل والمتآمر)، وبالرغم من أن المقالة قدمت الأسد على حقيقته كمجرم قصف شعبه بالكيماوي وقتل الآلاف في سجونه تحت التعذيب إلا أن الإعلام السوري احتفى بالموضوع وأعطاه الصدارة في رسائله.
في الحقيقة خطر لي الربط بين (انتصار الأسد) و(شي فاشل) ففحوى المسرحية التي تتحدث عن مخرج انتهازي قليل الموهبة والثقافة يقوم بإخراج مسرحية تتحدث عن قرية لبنانية تعيش في فرح ووئام والاحتفالات المتواصلة وتضع أسرارها في جرة قائمة وسط ساحة البلدة إلى أن يأتي يوم ويمر فيه الغريب على القرية فيسرق الجرة فتقع القرية في الحَيرة والقلق على مستقبلها وماضيها أيضاً وتعاني التمزق والخذلان، لكن المختار ينجح في القبض على اللص الغريب وتعود الأفراح لتعم البلدة و(رجعنا الجرة ورجعت لصحابا، والفرحة نحنا شرعنا بوابا) كما تقول الأغنية في المسرحية بعد استعادة الجرة المسروقة، ولكن خارج المسرحية التي يقوم مجموعة من الممثلين بتأدية أدوارها تحدث كوارث، نقصد في الواقع الحقيقي لا في الحكاية المتخيلة، فنبدأ من المخرج (الأستاذ نور) الذي يعمل على إخراج مسرحية يسودها المحبة والوئام كحكاية ولكنه لا يجرؤ على الخروج من المسرح بعد انتهاء التدريبات إلا بعد أن يحصل على تطمين من صديقه الكولونيل، ضابط الأمن المسؤول عن المنطقة، بأن الطريق إلى البيت سالك أمنياً.
كما تسود بين عناصر الفرقة حرب طائفية تتصاعد تدريجياً رغم محاولات المخرج السيطرة عليها لكنها تصل في النهاية إلى معركة بالأيدي، حتى المخرج نفسه يقع في النهاية ضحية هذه الحرب حين يطلب منه أحدهم أن يصعد معه في رحلة إلى الجبل فيرد المخرج (لا ببوس إيدك، بيعرفوني مسيحي بينتفوني الله وكيلك).
هذا هو الواقع الذي يحاول المخرج التعمية عليه عبر مسرحيته (جبال المجد)، فلا حب ولا مودة، بل حقد طائفي وطبقي ومعارك مستعرة وفساد داخل الفرقة (فالمخرج لص يسرق المنتج أيضاً) وفشل في بيع التذاكر (بيع الوهم للناس).
هذا الوضع يشبه إلى حد التطابق ما يروجه النظام وإعلامه حول الانتصار المزعوم، حيث انتصرت (سوريا الأسد) وفشلت سوريا الحقيقية، انتصرت سوريا الوهم والكذب وخسرت سوريا الواقع، فبغض النظر عن الدمار في الاقتصاد والبنى التحتية والأرزاق والخسائر في الأرواح، انتصرت سوريا الحقد والكراهية، حيث انقسم الشعب السوري إلى مؤيد ومعارض بينهما من الكراهية ما لم يعرفه التاريخ وبينهما من الدم ما لا يمكن أن تمحوه السنين القادمة ببساطة، رض نفسي عميق أحدثه انتصار (سوريا الأسد ) على سوريا السوية، سوريا الدولة الطبيعية التي تعيش كغيرها من الدول.
عادت الجرة إلى البلدة وعاد الفرح في الحكاية عند زياد الرحباني، ولكن الحقد الطائفي يهدد الحكاية ذاتها حتى أنه يتم إلغاء العرض الذي كان مقرراً في ذات اليوم، وهذا ما سيحدث في سوريا فعلاً، لقد عاد الأسد، ولكنه لن يكمل حكمه بالرغم من كل محاولاته في تسويق هذا الوهم وبيعه للمؤيدين، فالعرض الذي أخرجه الأسد بالحديد والدم لن يكتمل، ولن يشاهده أحد.
تصرخ إحدى الشخصيات في وجه المخرج بعنف وتقول له (شو هالضيعة اللي ما فيها حدا بيركع ولاك) في إشارة إلى أن المخرج نفسه (نور) راكع أمام المنتج الذي يزور الفرقة خلال التدريب الأخير ويمسح الأرض بكرامة المخرج موجهاً له كل الاتهامات، فلا يجرؤ على حتى على الاعتراض، وهكذا هو بشار الأسد، لا يركع إلا أمام الضباط الروس وأمام عناصر الزينبيات، وعناصر حزب الله، وأمام الأميركيين والخليجيين والأوربيين، لكنه يقتل شعبه.
في (جبال المجد) تعود الجرة لأصحابها في الحكاية ونحن سننتظر أن نستعيد سوريا في الحقيقة.