بين طائف لبنان وطائف سوريا

تداعى اللبناينون وبضغط دولي وإقليمي عام 1989 لعقد مؤتمر الطائف في المملكة العربية السعودية، الذي وضع حداً لحرب أهلية في لبنان استمرت قرابة خمس عشرة عاماً، ولقد أثرت الضغوطات الدولية والإقليمية بضغوط داخلية تجلت في الإرهاق الذي أصاب اللبنانيين على مختلف مشاربهم وطوائفهم وانتماءاتهم السياسية، فكان اللبناني ينتظر حلولاً لإيقاف القتل والدمار بأي طريقة وتحت أي تنازلات، فبالرغم من أن بعض القوى الوطنية واليسارية في لبنان كانت تجد أن حلاً بأي ثمن سيكون خسارة تضاف إلى مجموع الخسارات التي عاناها اللبنانيون، وأن البعض منهم كان مع استمرار الحرب وصولاً إلى نتائج إيجابية تقوم على حماية الدولة ومؤسساتها المستقبلية، وضمان عدم تجدد الحرب، والوصول إلى دولة تحترم المواطن وحرياته وتحمي وتضمن حقوقه؛ كانت الغالبية العظمى مع الحلول الإسعافية كيفما كانت لوقف نزيف الأرواح والأرزاق رغم بقاء النظام السياسي على محاصصته السياسية – الطائفية، فرئاسة الدولة بقيت بيد الموارنة المسيحيين وكذلك بقيت رئاسة الحكومة بيد أبناء الطائفة السنية، وتسلم الشيعة رئاسة البرلمان، وهذه المحاصصة هي المعمول بها أساساً منذ استقلال لبنان عن فرنسا، إذاً لم تحقق الحرب الأهلية اللبنانية أي مطلب مهما كان صغيراً، فبعد نحو مليون شهيد و15 سنة من القتل والدمار والصراعات الداخية والإقليمية والدولية، عاد لبنان إلى نقطة الصفر التي انطلقت منها الحرب الأهلية اللهم ما عدا إخراج المقاومة الفلسطينية من الأراضي اللبنانية وتشتتها في بقاع العالم وإنهاء البندقية الفلسطينية إلى الأبد تقريباً. كما عادت الزعامات التي كانت تقود الطوائف قبل الحرب لتقودها بعد الحرب وكأن شيئاً لم يكن، بل إن الزعامات الطائفية ازدادت قوة بفعل تصاعد الحس الطائفي بفعل الاتفاق المذكور.

لكن مجرى الأحداث أكد أن القوى التي كانت رافضة للحلول الجزئية والطائفية كانت محقة في تخوفاتها وقلقها، ذلك أن لبنان فعلياً لم يغادر الحرب الأهلية وإنما تحولت تلك الحرب من حرب مستعرة إلى حرب باردة، كما تغيرت المعادلات على أطراف الصراع، فبدلاً من حرب إسلامية – مسيحية تحولت إلى حرب سنية – شيعية، كما استطاعت إيران التغلغل في النسيج الاجتماعي اللبناني بحجة المقاومة وتحرير الأرض والتصدي للمؤامرات الصهيوينة الإمبريالية، واستطاعت تشكيل ميليشيا حزب الله التي تعتبر أقوى الميليشيات تسليحاً في العالم، وبالطبع كان حزب الله يحتاج إلى بعض المعارك مع إسرائيل لتبرير امتلاكه وتكديسه للسلاح في مقابل مصادرة السلاح من باقي فئات الشعب اللبناني، وذلكم وفقاً لنصوص اتفاق الطائف وملحقاته الذي أعطى سوريا وصاية مباشرة على لبنان حيث أسهمت دمشق في دعم الميليشيات الدينية الشيعية وسهلت دخول السلاح إليها وإمدادها بالصواريخ.

على الصعيد السوري يجري الإعداد لاتفاق طائف مشابه وتحت ذات الذرائع (أوقفوا القتل) وهذا الشعار المغري يبدو أن له شعبية واسعة لدى المعارضين والمؤيدين، فالغالبية العظمى باتت تقول (يا ريت) رداً على أي فكرة تفيد بوقف الحرب مهما كانت الأثمان، وفي ظل إصرار النظام على عودة البلاد إلى ما كانت عليه قبل عام 2011 عام انطلاق الثورة، فإن المجتمع الدولي يجد أنه لا بد من الرضوخ لعناد النظام وإعادة إنتاجه وتعويمه عربياً ودولياً في مقابل الاستقرار الذي صار حلماً للسوريين بغض النظر عن الحالة التي ستنتهي إليها المفاوضات مع المعارضة.

إن التشابه بين طائف لبناني وآخر سوري لا يتعلق بالدستور وإنما بالنتائج، فالقَبول بأي حل قد يقود البلاد قريباً إلى حرب أهلية أبشع وأكثر فظاعة من الحرب اللبنانية، وبالرغم من أن الدستورين (من زاوية المحاصصة) يتشابهان، إلا أن الدستور اللبناني يقرها علانية وصراحة، فيما يصر نظام البعث الذي يدعي العلمانية على تغطية طائفيته، فكلنا يعلم أن وزارة الدفاع حين تكون بقيادة ضابط سني، تكون وزارة الإعلام للعلويين والعكس صحيح، ولا أذكر أن النظام خرج عن هذا التقليد الطائفي منذ خمسين سنة.