خيبات أردوغان المتكررة قد تدفعه للمغامرة

فؤاد حميرة

لم يتوقف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن إطلاق التهديدات بعملية عسكرية في شمال سورية، لكن هذه التهديدات ازدادت كثافة وتصعيداً وتفصيلاً في الفترة الأخيرة حتى أن وزير خارجيته، مولود جاويش أوغلو، حدد العمق الذي سوف تستهدفه العمليلة العسكرية التركية داخل الأراضي السورية ومكانها الرئيسي (بلدة تل رفعت). لهذا التصعيد (الولادي) أسبابه، أهمها الإهمال الذي يعانيه أردوغان في الفترة الأخيرة على الساحتين الدولية والإقليمية بعد فترة من الاهتمام الشديد كان خلالها أردوغان نجم الأخبار ومحطات التلفزة وتحتل تصريحاته مكان الصدارة في جميع وكالات الأنباء، ولكن الوضع تغير مؤخراً، فالرئيس الاميركي، جو بايدن، رفض لقاء أردوغان في الأمم المتحدة كما رفض الاتحاد الاوربي دور تركيا في مطار كابول بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، والأهم فشل اللقاء الآخير (أيلول المنصرم) بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي، بل إن روسيا باتت تغض الطرف عن الهجمات التي تشنها المعارضة السورية المسلحة في الشمال السوري على القوات التركية، حتى أن بعض تلك الهجمات انطلقت من مناطق يسيطر عليها الجيش الروسي بشكل مباشر.

علاقة أردوغان بالأضواء والنجومية تماماً كعلاقة السمك بالماء، فإن خرج من دائرة الاهتمام شعر بالموات، فيعمل جاهداً ليبقي نفسه ضمن دائرة الأضواء، لذلك يدخل تصعيده الأخير وتهديداته باجتياح الشمال السوري في هذا الإطار لإعادة التركيز الإعلامي عليه وعلى سلوكياته، ولكن ومع ذلك يستمر الإعلام الدولي بإهماله وعدم الالتفات لما يقوله وكأنه غير موجود على الساحة أصلاً، لعلم الجميع أن أردوغان لن يجرؤ على القيام بأي تحرك عسكري دون رضا وموافقة الأميركان وحتى دون ضوء أخضر من موسكو. ووضع أردوغان في الإقليم ليس بأفضل بل ربما تكون خساراته الإقليمية أسوأ ما تعرضت له سياسات أردوغان منذ وصوله لسدة الحكم في تركيا، حيث فقد آخر معاقله الهامة في تونس بعد الإجراءات التي أقدم عليها الرئيس التونسي قيس سعيد بإقصاء الإخوان (الحلفاء الأهم لأردوغان) عن رئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان، ومحاولاته إبعادهم نهائياً عن العمل السياسي، ولقد أدت هذه الحركة الجريئة من قبل سعيد إلى حدوث انشقاقات هامة في جسد الحركة الإخوانية التونسية ممثلة بحركة النهضة.

وكانت أولى خطوات الفشل الأردوغاني قد بدأت في مصر حين أبعد الرئيس المصري الحالي، عبد الفتاح السيسي، حركة الإخوان عن حكم مصر، الذين كانوا يشكلون حجر الأساس في المشروع الأردوغاني الإخواني الهادف إلى نشر الإسلام السياسي في المنطقة، وبذلك يحقق أحلامه الطورانية في عودة الخلافة العثمانية ومقرها تركيا، ولذلك نجد أن أردوغان يولي اهتماماً لمدينة إستانبول (عاصمة العثمانيين) يفوق أضعافاً مضاعفة اهتمامه بالعاصمة الرسمية، أنقرة، وفي ذلك إشارة واضحة إلى رغبة أردوغان في إعادة النفوذ التركي – العثماني إلى المنطقة العربية التي كان يحتلها الأتراك على مدى أربعة قرون.

 ذات الفشل يتكرر في ليبيا، فحتى حلفاء أردوغان في ليبيا باتوا مقتنعين بضرورة خروج المرتزقة، الذين نقلهم أردوغان للقتال في ليبيا، لمغادرة ساحة الصراع والعودة للمكان الذي جاؤوا منه (شمال سوريا). كما يعاني أردوغان إقليمياً من دور سعودي متصاعد ضد سياسته وأحلامه في السيطرة على العالم الإسلامي تدعمها الإمارات العربية المتحدة في رفض النفوذ التركي في المنطقة.

 حتى على الصعيد الداخلي يعاني أردوغان تراجعاً في شعبيته مع التراجع الاقتصادي الذي تعانيه تركيا والذي يحاول أردوغان تغطيته والتعمية عليه عبر صورة إعلامية مزيفة لا تلبث أن تظهر حقيقتها. كما يعاني من حركة معارضة قوية باتت تشكل شوكة في حلق أردوغان وأركان حكمه، فاتخذ من قضية فتح الله غولن حجة لاعتقال كل المعارضين السياسيين وحتى الإعلاميين في تكريس واضح لخطواته الديكتاتورية التي بدأها منذ تغييره للدستور وحصر السلطات بيد رئيس الجمهورية.

الأضواء أكثر ما يهم أردوغان في هذه المرحلة، والإهمال الدولي الذي يعانيه الآن قد يدفعه إلى مغامرة مجنونة، ولا شك في أن أكثر ما يستطيعه أردوغان هو القيام بحرب في شمال سوريا، فهي النافذة الوحيدة المتبقية مفتوحة أمامه للقفز عبرها إلى دائرة الضوء.