وطن على مقاس حذاء الباشا

في مسلسل الحصرم الشامي يرفع الفنان مكسيم خليل بين يديه طفلا أخرجه من بين الأنقاض بعيد قصف حي الميدان من قبل الوالي التركي أسعد باشا العضم، يصرخ مكسيم باكياً وحوله مجموعة من الثكلى والنائحات والجثث : (كل هاد كرمال صرماية ابن الوالي؟ كل هالموت منشان شحاطة أبن الباشا؟ ).

وقد دفعت مكانة الحذاء في التراث العربي بصاحب (تفسير الأحلام) ابن سيرين إلى أن يفرد له مقالة خاصة فيقول أن الرجل إن رأى حذاء فذلك معناه أنه على سفر وإن كان الحذاء ضيقا فهذا معناه أن الحالم سيعاني من ضيق ذات يد وسوف يمر في أزمة وشظف عيش، أما إذا كان الحلم لامرأة فمعناه أن عريساً سيظهر قريبا ليطلبها للزواج، ويتابع ابن سيرين تفصيلاته في ذكر تفسيراته لرؤية الحذاء في الحلم ولكنه لا يأتي على ذكر الخليفة إن رأى في نومه حذاء سواء أكان ضيقاً أم واسعاً أم على مقاس القدم، ولن يتجرأ حتى على ذكر حذاء الوالي أو أي موظف مهما كانت رتبته في الدولة واكتفى بالقول (رجل ما).

حذاء الحاكم مقدس كما سيرته وكما اسمه وكما عائلته ولا يجوز للعامة التحدث به ولا حتى في أحلامهم إلى أن جاء الصحفي العراقي منتظر الزيدي وأعاد لأحذية العامة مكانتهتا في التاريخ حين استخدم حذاءه كوسيلة احتجاج يرجم بها رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم. لكن حذا الباشاوات يعود لقداسته وكما كان فداء حذاء الوالي خراب حي من أحياء دمشق ومقتل العشرات من سكانه، كذلك لحذاء الباشا الجديد ذات الفدوى إذ سقط فداء لحذائه ستة قتلى وستون جريحا ونقصد بها طبعا أحداث بيروت التي وقعت بالأمس، فحذاء النائب على حسن خليل يستحق أولئك القتلى ويستحق أن يكون لبنان على حافة الحرب الأهلية، المهم ألا (يتغبر) حذاء الباشا علي حسن خليل في طريقه إلى القصر العدلي .

بدأت الحكاية حين طلب قاضي التحقيق العدلي مثول النائب الخليل إلى المحكمة للتحقيق معه في قضية انفجار مرفأ بيروت الذي وقع خلال العام المنصرم، ولكن الخليل أصيب بجرح غائر في كرامة حذائه فخرج على تلفزيون الميادين الذي تموله إيران وأطلق تهديداته الواضحة بتصعيد الموقف على كافة المسارات وحتى العسكرية منها، وكي لا يكون الخليل كاذباً، أخترع حزب الله بالتنسيق مع حركة أمل قصة القناصين الذين أطلقوا النار على المتظاهرين متهماً عناصر من حزب الكتائب بالهجوم على (مظاهرة سلمية) وهي ذات اللعبة التي مارسها النظام في بداية الثورة السورية حين أدعى أن عناصر من المعارضة تطلق النار على المتظاهرين.

ذات السيناريو يتكرر اليوم فتيار المقاومة يتهم الكتائب بقتل عناصره ومؤيديه السلميين الأبرياء علماً أن حزب الكتائب أعلن ألف مرة أنه  يملك سلاحاً وأن سلاحه هو سلاح الدولة وأن فكره هو فكر الدولة ومؤسساتها على عكس حزب الله الذي لا يكف عن الإعلان بأن برنامجه مستقل عن الدولة وأن له مشاريعه الخاصة، كما أن فشل الجيش في ألقاء القبض على القناصين رغم أن المعركة استمرت ساعات، من شأنه أن يدفع بطرح مجموعة من التساؤلات وإشارات الاستفهام، فكلنا تابعنا على شاشات التلفزة المحتلفة الحشد الكبير للجيش بعتاده وعديده ومع ذلك استطاع المسلحون الانسحاب والخروج من المنطقة كما تخرج الشعرة من العجين.

ما حدث في بيروت بالأمس يصرخ صراحة وعلناً أن حزب الله وحركة أمل هما وراء الأحداث وهما من افتعلاها لإسقاط التحقيق الذي سيقول حتماً أنهما المسؤولان عن إدخال شحنة النترات وهما يعرفان ذلك فيسعيان إما إلى التهديد بالحرب الأهلية وإما إلى تنحية القاضي وبالتالي أن يسير التحقيق في المسار الذي يفضله حسن نصر الله ونبيه بري.

إن لاختيار منطقة عين الرمانة في بيروت دلالات تصب في خانة ما نقوله فهذه المنطقة مرتبطة بأذهان اللبنانيين بحرب أهلية استمرت 15 سنة وهذا تهديد واضح للبنانيين عبر إنعاش ذاكرتهم، فيلجأ اللبناينوين إلى التوافق على خلع القاضي بيطار حفاظاً على السلم الأهلي وخوفاً من حرب لبنانية أهلية جديدة، إن عين الرمانة هي عملية استحضار لأحداث 1975 التي انطلقت من عين الرمانة عبر ما بات يعرف تاريخياً بـ ( حادثة البوسطة) وكل الصور التي تم بثها هي استذكار لمشاهد الحرب الأهلية وما على اللبنانيين إلا الخنوع والسكوت والقبول بما يفصله حزب الله وليبقى لبنان “بلد صغيرى كقصال” على قياس حذاء حسن خليل.