تعويم بشار الأسد بشروط تعجيزية

عودة اللاجئين هي أول شروط التسوية في سوريا تلك التسوية التي يطمح لها جميع المتنفذين بالملف السوري من الدول. والتي لا تأخذ بعين الاعتبار أي من رغبات الشعب السوري المنساق نحو مصير لم يختاره.

ولكن لو تمعنا فقط بهذه النقطة لوجدنا بأن الرئيس السوري بشار الأسد خاسر في كل الحالات وفي كل السيناريوهات المقترحة حاليًا.

تترك الولايات المتحدة زمام الأمور لروسيا في سوريا، والمطلوب منها ضبط الأمور مع تسوية الصراع الإيراني السعودي، وإقناع كل الدول المعنية في المنطقة بالقبول بإعادة سوريا الممزقة حاليا لسيطرة نظام الأسد.  والمطلوب ليس فقط عودة سوريا لجامعة الدول العربية بل عودتها رسميًا لساحة المجتمع الدولي بأسره بعدما كانت دول عديدة سحبت سفرائها ونبذت نظام الأسد لكونه يقتل شعبه.

وهكذا ظاهريًا يبدو الأسد منتصرًا وواثقًا بمنظومته رغم فشلها الذريع على كافة الأصعدة داخليًا.

أما عن ثمن هذا النصر فهو يبدو ظاهريًا بسيطًا حيث هذه التهدئة المفروضة على الجميع تعني عودة اللاجئين، بمعنى آخر لكي تقبل مثًلا الدولة التركية العميقة (وليس فقط أردوغان) ولكي يقبل الأردن ولكي تقبل أيضًا مجموعة الدول العربية والغربية، تلك التي كانت ضمن مجمع أصدقاء الشعب السوري بالمصالحة مع بشار الأسد وطي صفحة الحرب، عليه أن يعلن عن إجراءات أمنية وعفو عام وهذا لكي يجد الجميع نقاط مصالح مشتركة في إنهاء الحرب. اللاجئين أصبحوا عنوان الملف السوري وعودتهم هي أول مطلب أوروبي وتركي، بالتالي يعلم الأسد وروسيا بأنه لا مفر من إعادة اللاجئين لسوريا وإصدار العفو العام.

لكن ماذا تعني عودة كل سوري لبيته؟ ماذا تعني عملية العفو العام وتخفيف القبضة الأمنية في سوريا؟

شكل اللجوء السوري أزمات سياسية في دول اللجوء كلها وقسم الاتحاد الأوروبي بين من قرر استقبالهم واستيطانهم ومن قال لا بد من إيجاد حل لسوريا. وعمومًا كان الخطاب الإعلامي لا يتحدث كثيرا عن حجج من يرفض استقبال اللاجئين إلى أن كبرت الأزمة في تركيا، حينها سمعنا خطابًا سياسيًا جديدًا متشابهًا في أوروبا وتركيا مفاده بأن أزمة اللاجئين أو رفض استقبال لاجئين جدد هو ليس فقط ضمن برامج انتخابات الأحزاب المتطرفة، لكنه أيضًا في برامج الوسطيين. بمعنى أخر لم يعد هناك بد من طرح الموضوع اقتصاديا واجتماعيا من منظار موضوعي حتى لا سياسي، فوجود أكثر من سبعة ملايين سوري في دول أوروبا وفي تركيا ولبنان والأردن يشكل أزمات لتلك الدول، وعملية استقبالهم كانت مكلفة للجميع ويبقى الأهم أن اللجوء والنزوح مستمر نحو كل تلك الدول ولا يمكن إيقافه طالما النظام السوري يهدد حياة المواطنين المعنيين. بالتالي التدفق السوري نحو الخارج سيبقى حنفية مفتوحة لن تغلقها أي حكومة من مهما انتهجت من سياسات عنصرية.

هذا الواقع لربما هو دافع آخر لإنهاء الأزمة بطريقة سريعة. وهو من يفرض على الدول التي أعلنت وقوفها مع الثورة السورية العدول عن موقفها والقبول باستمرار الأسد رغم كل ما وثقوا من جرائم ارتكبها ضد الشعب السوري. بعدما كان الأسد السبب الأول للنزوح أصبح المطلوب اليوم فقط إيقاف النزوح.

بينما يهلل أنصار النظام والموالين القلائل بعودة سيطرتهم قريبا على كل أرجاء سوريا يعلم الجميع في العمق بأن القادم هو الأخطر.

الشروط التي ستفرض أو فرضت جديًا على النظام للبقاء أو على الأسد للبقاء هي التخفيف من القبضة الأمنية والعفو العام لكي يتمكن الجميع من الرجوع ولكن القبضة الأمنية هي السر الوحيد الذي أبقى الرئيس بالحكم.. ماذا لو تجرد منها؟.

النقطة الثانية لربما اقتصادية بحتة، سوريا في حال تم نزع السلاح فيها من كافة الأطراف ستكون جاهزة لإعادة الإعمار ولن يكون أمام النظام السوري سوى تغيير نهجه الاحتكاري الاقتصادي تمامًا لجلب رؤوس أموال لإعمار البلاد وخلق مناخ اقتصادي صحي ملائم للجميع مطمئن ومشغل لشبان لم تمكنهم الحرب من أن يتأهلوا علميًا ومهنيًا.

حاليًا البنى التحتية محطمة وهناك أزمات تشل كافة القطاعات ولا بد من تأمين الكهرباء والماء والتطبيب والتعليم ولهذا السبب أي حكومة أياً كانت لم يعد بإمكانها ترك الفساد وحكم قطاع الطرق العشوائيات واللا قانون يحكم البلاد كما هو الحال.

خلال العشر سنوات الأخيرة اضطر النظام للعب مع أغنياء الحرب وترك هامش كبير للبطش والنهب والفساد لكي لا يخسر موالين، أما اليوم فأحد شروط البقاء هو مكافحة الفساد وإصلاح كافة القطاعات وفرض قوانين سارية المفعول لكي تثق رؤوس الأموال بالعودة لسوريا للاستثمار وتشغيل البلد المعطل، بدون فتح قطاع الاستثمارات الخاصة على مستوى دولي وبقوانين معتمدة عالمياً، خصوصاً في إطار مشروع شامل قادم لتوازن واستقرار شرق المتوسط. بمعنى آخر أيا كان الحاكم في سوريا سيكون ملزماً بانتهاج سياسات تنافس اقتصادي جاد بعيداً عن أي احتكار وعشوائية.

لكن تخفيف القبضة الأمنية مع مكافحة الفساد سيشكل خطراً كبيراً على النظام هذا بالإضافة لكون القضايا الاجتماعية المتعلقة بالمصالحة الوطنية داخلياً لم تطرح جدياً.

العائدون سيعودون مع حقدهم والصامتين سيجدون المناخ ملائمًا للحديث والتمرد وأما عن من “سمنهم” النظام ليبقوا معه، مشتريا ولاءهم، فسيسخطوا لكونهم يرفضون كف يدهم والتوقف عن السرقات التي شرعت لهم وسيرفضون أن تتقلص مواردهم اللاشرعية. هذا بالإضافة للملف الكردي والقضية الكردية في سوريا وقضية الدستور وكثير من القضايا العالقة.

بالتالي بعد إعادة تعويم الأسد بهذه الشروط التعجيزية التي يبدوا أن روسيا لا تملك إلا أن تلزمه بها وإيران معها كيف سيحكم البلاد؟.

وهل هناك أمل جاد بالاستقرار لسوريا.