نازحون من سري كانيه: لا عودة تحت سيطرة القوات التركية وفصائل المعارضة
تل تمر – نورث برس
رغم الظروف المعيشية السيئة التي تعيشها عائلة فاطمة العلي وهي نازحة من ريف سري كانيه (رأس العين) وتعيش في مدرسة تحولت إلى مركز إيواء وسط بلدة تل تمر شمال الحسكة، شمال شرقي سوريا، ترفض العائلة العودة إلى قريتها في ظل تواجد فصائل المعارضة المسلحة الموالية لتركيا فيها.
وعائلة “العلي” هي واحدة من عشرات آلاف العائلات ممن فروا من منازلهم، على وقع الاجتياح التركي برفقة فصائل مسلحة موالية لتركيا، على منطقتي سري كانيه وتل أبيض، في تشرين الأول / أكتوبر 2019.
وبعد مرور ثلاثة أعوام على سيطرة تركيا على منطقة حدودية بطول 120 كيلومتراً في شمال شرقي سوريا، يرفض النازحون السوريون العودة إلى ديارهم تحت الراية التركية، خوفاً على مصيرهم نظراً للانتهاكات “الوحشية” التي ترتكبها فصائل مسلحة بحق السكان.
وتقول النازحة وهي والدة لسبعة أطفال، (6 بنات وطفل)، “لا يوجد أمان هناك، فأولئك لا يفرقون بين أحد سواء كنت كردياً أو عربياً أو حتى مسيحياً، لدي بنات لا أستطيع العودة خوفاً عليهن من إلحاق الأذية بهن من قبل المسلحين”.
وتضيف “العلي” أنها حتى لو استطاعت العودة لكن الظروف الحياتية في قريتها أسوأ إذا ما تم مقارنتها بصعوبة العيش ضمن هذه المدرسة.
وتطالب لجنة “باقون وعائدون” الممثلة لسكان سري كانيه، المجتمع الدولي بتوفير ضمانات تمكن النازحين من العودة إلى منازلهم.
والعام الماضي، طالب القاضي محمود جميل، وهو ناطق باسم اللجنة “الشرعية الدولية”، بتأمين عودة آمنة وكريمة، “لحمايتنا من التجاوزات والانتهاكات”.
وأشار حينها في تصريحه لنورث برس، إلى أن ذلك “لا يمكن أن يتحقق إلا بإخراج المحتل التركي من مدننا ودعم المناطق المحتلة اقتصادياً. ودون هذه الضمانات لا يمكننا العودة.”
“وضع معيشي سيء”
وبحسب إحصائية نشرتها رابطة “تآزر” لضحايا الاجتياح التركي لشمال شرقي سوريا، وتضم مجموعة من الصحفيين والحقوقيين والباحثين من سري كانيه وتل أبيض وتقوم بتوثيق الانتهاكات في المدينتين خلال العام الماضي، فإن أقل من 15% من سكان سري كانيه وتل أبيض، عادوا إلى منازلهم بعد سيطرة تركيا وفصائل موالية لها على المنطقة.
وتشير النازحة وهي تقف بجوار إحدى بناتها، التي تُعدُّ الطعام في ممر المدرسة على موقد بدائي، “الوضع المعيشي سيء جداً، ابنتي الكبرى هي الوحيدة التي تعيلنا”.
وتتحسر المرأة الأربعينية التي تنحدر من قرية المناجير بريف سري كانيه، على مستقبل ابنتها البكر ذات الواحد والعشرين ربيعاً بعد أن انقطعت عن مقاعد الدراسة لتعيلهم.
ولضيق الحال، تركت تهاني العلي وهي الابنة الكبرى للسيدة فاطمة، مقاعد الدراسة متوجهة إلى سوق العمل لكسب لقمة عيش تسد رمق العائلة المنهكة.
ورغم بنيتها الجسدية الهزيلة، تعمل الشابة الحاصلة على الشهادة الإعدادية لمدة ثماني ساعات يومياً زهاء راتب شهري يصل إلى 150 ألف ليرة سورية.
11 شخصاً يتقاسمون غرفة
وفي الغرفة المجاورة بذات الممر، تعيش سارة المحمد وهي نازحة من قرية العريشة بريف سري كانيه، منذ عامين برفقة عشرة أفراد من أسرتها ضمن غرفة واحدة تخلو من معظم مقومات المعيشة.
وعلى غرار الآلاف من النازحين في ريف الحسكة، ترفض “المحمد” العودة إلى ديارها في ظل سيطرة القوات التركية وفصائل مسلحة موالية لها عليها.
وقالت بهذا الصدد: “المسلحون متواجدون في قريتنا، سرقوا كل شيء حتى الشبابيك والأبواب، فتعب السنين ذهب هباءً، وحتى إذا عدنا فعلى أي أساس سنعود، لا يوجد سقف يؤوينا، خيار العودة محال ما لم يتم طرد أولئك من قرانا.”
ولكن “المحمد” كسابقتها تعيش ظروفاً صعبة في المدرسة ولعل أصعب ما تمر به عائلتها، هو تقاسم أفراد أسرتها، البالغ عددهم 11 شخصاً، غرفة واحدة والتي هي بمثابة المطبخ والحمام وغرفة المعيشة.
ويشاطر النازحون في مدرسة “وليد” الريفية البالغ عددهم 11 عائلة، المعاناة نفسها.
وبينما كان بعض الأطفال يلهون في باحة المدرسة، تقول “المحمد” بحسرة وهي مغطية وجهها بلفاح: “يعيش في هذه الغرفة 11 شخصاً، في الشتاء لا نضع المدفأة لعدم وجود مكان ضمن الغرفة، نتدفأ على أنفاس بعضنا’’.
وتضيف والحزن يغلب عليها: “غرفتنا هذه هي بمثابة منزل كامل، أليست هذه مصيبة”.