منذ أعوام.. محصول الزيتون محرَّمٌ على قرى تتبع لعفرين غير خاضعة لتركيا

ريف حلب الشمالي- نورث برس

منذ ثلاثة أعوام، لا تتمكن نازلية علي جمو (53عاماً) وهي من سكان قرية صوغانة التابعة لناحية شيراوا، جنوب عفرين، شمال غربي سوريا، من جني موسم أشجار الزيتون من أرضها الواقعة على مقربة من مناطق سيطرة القوات التركية وفصائل المعارضة، إذ تتعمد الأخيرة إطلاق الرصاص على كل من يحاول الاقتراب من تلك الأراضي.

تقول “جمو”، وهي تنظر من فوق جدار منزلها إلى أرضها: “لا نستطيع الذهاب إلى أراضينا وزراعتها، أتألم كثيراً، منذ أكثر من ثلاثة أعوام لم نذق زيتون أرضنا”.

والعام الماضي، أضرمت القوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة والمتركزة في قرية كوبلة المجاورة لقرية صوغانة  النيران في أرض “جمو” وتسببت حينها باحتراق 350 شجرة زيتون.

تتذكر السيدة تلك اللحظات: “رأيت النيران تلتهم أشجاري، بكيت كثيراً وبدأت ألطم على وجهي، لعنت أردوغان وفصائله”.

وحاولت “جمو” وبمساعدة شبان في القرية إخماد الحريق، لكن عمدت القوات التركية والفصائل لإطلاق الرصاص على كل من حاول الاقتراب من النيران حينها.

وتضيف: “فضلت الموت في أرضي على رؤية أشجاري وهي تحترق أمام عيني، بعد عدة مرات من المحاولات أخمدنا الحريق، وبعد عودتنا إلى القرية قاموا بإضرام النيران مرة أخرى”.

وتبعد صوغانة أقل من 2 كم عن مناطق سيطرة تركيا بمنطقة عفرين، لتكون بذلك الخط الفاصل بين تركيا وفصائل المعارضة السورية المسلحة من جهة، وقوات الحكومة السورية من جهة أخرى.

“نتحسر على أشجار الزيتون”

وفي الثامن عشر من آذار/ مارس 2018 سيطرت القوات التركية برفقة فصائل معارضة موالية لها على عفرين، ما أدى لنزوح أكثر من 300 ألف شخص من سكان المنطقة الأصليين إلى منطقة الشهباء بريف حلب الشمالي.

ولم تفرض تركيا حينها، قبضتها على صوغانة وقرى أخرى في ناحية شيراوا (عقيبة، زيارة، الخربة، مياسة زرناعيت، برج القاص، الذوق الكبير، ابين، كلوته)، فاستلمتها قوات الحكومة السورية بعد انسحاب وحدات حماية الشعب منها.

لكن وجود القوات الحكومية في تلك القرى، لم يكن عائقاً أمام تركيا وفصائل معارضة موالية لها، من استهدافها من نقاط تمركزها في عفرين بالقذائف المدفعية بشكل شبه يومي.

وتتحسر “جمو” على ما آلت إليه أحوالهم في القرية التي باتت شبه خالية من سكانها، “نتسحر على أشجار زيتونا، نعتمد حالياً على الزيوت النباتية للطبخ، والزيتون الأخضر لم نذقه منذ أعوام”.

وبينما تتجول السيدة الخمسينية بين منازل قريتها المدمرة والفارغة، تتحدث عن ما شهدته القرية قبل نحو عشرة أيام، “جاءت قذيفة من قرية كيمار، لم نعلم أين سقطت، بعد ثوان سقطت قذائف أخرى، لم نستطع الخروج من المنزل لشدة القصف، يقصفوننا بشكل عشوائي، أصيبنا بالذعر”.

وعلى بعد عدة كيلومترات من قرية صوغانة، يمتلك يحيى حميد (34عاماً) وهو من سكان قرية برج القاص أكثر من 600 شجرة زيتون تقع في الطرف الغربي من القرية.

ويقول “حميد”: “منذ أربعة أعوام لا أستطيع قطاف حبة واحدة منها، فقد قامت فصائل معارضة مسيطرة على قرية براد المجاورة بزراعة الألغام في الأرض”.

ويضيف: “أشعر بألم يعتصر قلبي عندما لا أجد حبة زيتون على الفطور أو زيت زيتون نستخدمه في الطبخ”.

20 عائلة فقط

وقبل نحو عشرة أيام، عاودت القوات التركية وفصائل معارضة، قصف قرى في ناحية شيراوا بعشرات القذائف، مسببة أضراراً مادية في ممتلكات السكان.

وفي الرابع من حزيران/ يونيو الفائت، فقدت الطفلة زينب حسين (14 عاماً) حياتها وأصيب والدها (51عاماً) وشقيقها (11عاماً) بجروح في قرية كلوته التابعة للناحية، نتيجة استهداف القوات التركية وفصائل موالية لها للقرية بالقذائف.

وقبله بعدة أيام، أدى قصف مدفعي تركي استهدف قرية عقيبة لنفوق عشرات المواشي وإلحاق أضرار مادية بمنازل وممتلكات سكان القرية.

كما تسبب القصف حينها، باندلاع حرائق في غابة حراجية واقعة بين قريتي عقيبة وصوغانة.

ومن أصل 120 عائلة كانت تسكن في قرية صوغانة، لم يتبق منها سوى 20 عائلة، حيث نزحت العائلات إلى قرى مجاورة ومناطق بريف حلب الشمالي، بحسب سكان من القرية، وذلك بعد تدمير عدة منازل وإصابة أشخاص، بينهم عدة نساء وطفل واحد بجروح.

وفي الثامن من آب / أغسطس 2019، استهدفت فصائل المعارضة، صوغانة بأكثر من مئة قذيفة هاون، ما أسفر عن جرح أربعة أشخاص من عائلة واحدة، بينهم طفل، فيما كان تسبب قصف آخر في شباط / فبراير من ذات العام، بإصابة عدد مماثل.

وانتقلت مدينة يوسف (41عاماً) مع زوجها وطفليها والتي كانت تسكن في الطرف الشرقي من صوغانة إلى منزل أحد أقاربها وسط القرية “لأكون قريبة من الكهوف أثناء القصف”.

وأثناء اشتداد القصف، يحتمي من تبقى من السكان في الكهوف الطبيعية والتي تنتشر بكثرة في القرية.

تقول “يوسف” إنهم أثناء القصف يمكثون في الكهف لأكثر من ثماني ساعات، “لا نعلم متى سيقصفوننا، عليك أن تكون قريباً من الكهف حتى لا تموت، يقصفوننا في ساعات الفجر أو الظهيرة أو في ساعات الليل المتأخرة”.

منازل مدمرة

ويسبب القصف خوفاً وهلعاً للسكان وخاصة الأطفال والكبار، وتضيف “يوسف”: “لا يستطيعون النوم من الخوف، قبل أيام وبينما كنا نتوجه للاحتماء في مغارة، قصفت طائرة قرية باصلة القريبة منا، أصيب أطفالي بالذعر وناموا دون تناول عشاء”.

ولا تتمكن السيدة الأربعينية كسابقتها من الذهاب إلى أراضي عائلتها المزرعة بأشجار الزيتون، “أحرقوا قسماً منها والقسم الآخر لا نستطيع الاقتراب منه”.

ورغم الأوضاع الأمنية الصعبة في القرية، ترفض حنيفة خليل (82عاماً ) الخروج من منزلها، “إلى أين أذهب وأترك منزلي الذي بنيته حجراً فوق حجر، لن أغادره ما زلت على قيد الحياة”.

وتجد السيدة ومع تقدمها في العمر صعوبة في الذهاب إلى الكهوف أثناء القصف، “لا أستطيع الركض أو المشي بخطوات سريعة كغيري، يصادفني أحيانا وأنا أتوجه إلى الكهف سقوط قذائف على القرية”.

وخسرت عائلة “خليل” خلال العام الماضي، عشرون رأساً من الأغنام نتيجة القصف وانفجار ألغام.

ويحيط بقرية صوغانة من عدة جهات، حزام من الألغام، التي أسفرت عن قتل ثلاثة أشخاص من سكان القرية، بالإضافة لإصابة امرأة بجروح، خلال الأعوام الماضية.

وبحسب مجلس ناحية شيراوا فقد تسبب القصف التركي على قرى في الناحية بتدمير وتضرر أكثر من 40 منزلاً، ويخشى أصحابها من ترميمها وإعادة تأهيلها خوفاً من تعرضها للقصف مرة أخرى بعد إعادة ترميمها، وهو ما دفعهم للتريث في أعمال التأهيل.

وفي آذار/ مارس العام الماضي، استهدفت فصائل معارضة المتمركزة في قرية براد منزل زهير أحمد (45عاماً) وهو من سكان برج القاص، بقذائف مدفعية، ما تسبب بتضرره وتهدم أجزاء منه.

واضطر “أحمد” إلى ترك منزله والانتقال إلى منزل آخر في القرية، “فلم يعد منزلي صالحاً للسكن لخوفي من أن يتهدم فوق رؤوسنا ولا أملك مالاً لإعادة بناءه من جديد”.

إعداد: دجلة خليل- تحرير: سوزدار محمد