سياسات الجوار وقلة الأمطار تضعان العراق وسوريا أمام تهديد “وجودي”

أربيل – نورث برس

على وقع أزمة المناخ والشح الشديد للأمطار الذي شهدت المنطقة خلال العام الماضي، بالإضافة إلى تراجع منسوب مياه الأنهار الكبيرة مثل الفرات باتت كل من سوريا والعراق في مواجهة مباشرة أمام تهديدات “وجودية”.

في هذا الإطار حذّر رئيس الجمهورية العراقي، برهم صالح، أمس الأربعاء، من مغبة أزمة المناخ التي تشكل “تهديداً وجودياً” لمستقبل بلاده.

لكن هذا التوصيف تشاطر سوريا فيه العراق خاصة مع ما تشهده مناطق شمال شرقي سوريا من انحساراً كبيراً في نهر الفرات لينخفض منسوبه نحو خمسة أمتار منذ مطلع صيف هذا العام.

انخفاض منسوب نهر الفرات في سوريا عام 2021- نورث برس

ورجح الرئيس العراقي تضاعف عدد سكان بلاده من 40 مليوناً إلى 80 مليوناً بحلول العام 2050، في إشارة إلى مخاطر تقلص المساحات الخضراء.

وقال برهم صالح إن التصحّر يؤثر في 39 بالمئة من مساحة العراق، و54 بالمئة من الأراضي معرّضة لخطر فقدانها زراعياً بسبب التملح وشح المياه في “الشريانين دجلة والفرات”.

الرئيس العراقي برهم صالح مع وزير الموارد المائية العراقي في اجتماع بخصوص ملف المياه – موقعرئاسة الجمهورية

ويقع العراق في المرتبة الخامسة من بين أكثر البلدان هشاشة عالمياً من حيث نقص المياه والغذاء ودرجات الحرارة القصوى، ومن المتوقع أن يصل العجز المائي إلى 10.8 مليارات متر مكعب بحلول العام 2035.

والعام 2019 اتهم تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، السلطات العراقية بالتقاعس عن إدارة وتنظيم الموارد المائية في العراق بشكل مُناسب مما أدى إلى حرمان الملايين من السكان في البلاد من مياه الشرب.

جفاف الأهوار العراقية خلال الصيف

سورياً.. تركيا في قفص الاتهام

بالنسبة لجارة العراق، سوريا فإن السلطات المحلية في شمال شرقي البلاد، تتهم أنقرة باستخدام ملف المياه كسلاح ضدها، فيما ظلت حكومة دمشق مكتوفة الأيدي دون استخدام صلاحياتها “المفترضة” ضد الإجراءات التركية، وهو ما جعل الإدارة الذاتية في تحد كبير لمواجهة هذا الملف بمفردها.

وقبل نحو ثلاثة أشهر، أعلنت وزارة الموارد المائية العراقية، موافقة دمشق على تفويض بغداد بالنيابة عنها للنقاش مع تركيا حول الحصص المائية.

وجاء ذلك بعد إصرار الجانب التركي في معظم الجلسات التفاوضية بشأن الحصص المائية على وجود الجانب السوري وفق بيان سابق لوزارة الموارد المائية العراقية.

وشهد العام الجاري، انخفاظاً في الإنتاج الرزاعي والحيواني في سوريا، ما أدى إلى تضرر القطاع الاقتصادي بشكل كبير، إضافة إلى معاناة السكان من العطش والجفاف خاصة بعد سيطرة الجيش التركي وفصائل سورية موالية على مصادر المياه في سري كانيه/ رأس العين، ما وضع نحو مليون شخص في مواجهة شح المياه في مدينة الحسكة.

انحسار نهر دجلة في العراق عام 2019 بسبب المشاريع التركية

والعام الفائت ذكر تقريرلـ”هيومن رايتس ووتش” أن تقاعس السلطات التركية عن ضمان إمدادات مياه كافية لمناطق شمال شرقي سوريا يضر بقدرة المنظمات الإنسانية على تجهيز المجتمعات الضعيفة لحمايتها، في ظل انتشار فيروس كورونا.

ودعت المنظمة الإنسانية السلطات التركية لبذل كل جهدها لاستئناف توريد المياه من محطة “علوك” لضخ المياه.

لكن تركيا أبقت يدها على زناد التهديد، ولم تول اهتماماً لكل الدعوات وفقاً لتصريحات رسمية وسكان في المنطقة.

والأسبوع الفائت عقد في مدينة الحسكة المنتدى الدولي للمياه في شمال شرقي سوريا، بحضور ممثلين عن منظمات مدنية محلية ودولية، استمرت النقاشات ليومين متتاليين.

المنتدى الدولي للمياه في شمال وشرق سوريا- نورث برس

واستنكر البيان الختامي للمنتدى “سياسات الدولة التركية في تحويل المياه كسلاح سياسي ضد السكان”.

ودعا المنتدى “المجتمع الدولي للضغط على الدولة التركية للتراجع عن سياستها واختراقها للقوانين(..)، وتحمل واجبها الإنساني في المنطقة فيما يتعلق بتأثيرات قطع المياه وشحها وتأثيرها على المجتمعات ومخيمات اللاجئين”.

ووضع  البيان الختامي الإدارة الذاتية “أمام  واجب حل مشاكل المياه بالحوار، والتعاون مع الجهات المعنية، كالعراق وسوريا والمنظمات والقوى الدولية، والمساهمة في المشاريع التي تدعم مصادر المياه، وتأمين مصادر مستدامة لها، وبناء السدود الصغيرة والمتوسطة على الأنهار الصغيرة”.

محاولات عراقية

بدروه يسعى العراق إلى حل ملفاته المائية مع الجوار عبر مفاوضات بهدف حصوله على حصته القانونية من مياه دجلة والفرات اللذين ينبعان من تركيا والأنهار القادمة من إيران.

وتعد المشاريع التركية أحد عوامل تعرض العراق لموجات جفاف، وأبرزها ملء خزانات سد إليسو على نهر دجلة عام 2019، ما أدى إلى انخفاض كبير في مستوى النهر وإلحاق أضرار كبيرة بالقطاع الزراعي والثورة السمكية في البلاد.

وحاولت بغداد منذ عام 2019 حل مشكلة المياه مع تركيا بتنسيق “عالي المستوى” لكن دون الوصول إلى تفاهم نهائي حتى اللحظة.

ففي نيسان/أبريل الفائت، دعت لجنة “الزراعة والمياه البرلمانية” في العراق، إلى ضرورة التوافق مع سوريا على كمية المياه لتكون “ورقة ضغط مهمة على تركيا” من أجل تدفق المياه لهما.

وفي منتصف آذار/مارس الفائت، عقد في بغداد مؤتمر المياه وخلاله تم التأكيد على “ديمومة المفاوضات” مع الجانبين التركي والإيراني للوصول إلى تفاهمات بهذا الخصوص.

وفي بيان سابق، قال رئيس لجنة الموارد المائية البرلمانية سلام الشمري، إن “توافق البلدين الشقيقين على كمية المياه سيكون ورقة ضغط مهمة على تركيا من أجل تدفق المياه لهما وفق اتفاقيات لا تتأثر بأي أزمة”.

إعداد: حسن حاجي – تحرير: معاذ الحمد