في اليوم العالمي للقطن.. ما حال مزارعيه السوريين؟
الرقة- نورث برس
تجنب قاسم الشلش (38 عاماً)، وهو مزارع في ريف الرقة شمالي سوريا، خلال الموسم الذي شارف على الانتهاء، المجازفة بمساحة 50 دونماً اعتاد زراعتها بالقطن كل عام.
وفي بلدة كديران، 30 كم غرب الرقة، اكتفى المزارع بزراعة 30 دونماً توقع أنه سيتمكن من رعايتها وتوفير مستلزماتها، لكن العام لم يخلُ من مشكلات نقص في مياه الري وقلة الدعم المقدم لمزارعي المحصول الاستراتيجي.
وتطول القائمة إذا ما سألت مزارع قطن في الرقة عن التحديات التي واجهها في الموسم الذي شارف على الانتهاء، من نقص مياه الري وغلاء البذار والأسمدة والمبيدات الزراعية وعدم كفاية مخصصات الوقود.
ومنذ عقود، احتل القطن موقع ثاني أهم المحاصيل الزراعية بعد القمح في سوريا، وكان يتصدر المحاصيل التي توفر فرص عمل كثيرة في أرياف الرقة والجزيرة خاصة.
وهذا العام، بلغ مجموع المساحات المزروعة بالقطن 49 ألف هكتار، بحسب تقارير صادرة عن لجان وهيئات الزراعة في مناطق شمال وشرق سوريا.
ولا يعود احتفاء الأمم المتحدة باليوم العالمي للقطن سوى لثلاثة أعوام مضت، إذ تم إطلاقه لأول مرة عام 2019 في المقر الرئيسي لمنظمة التجارة العالمية في جنيف.
وقبل أيام قليلة، أعلنت أنها ستصادق على تخصيص يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر من كل عام يوماً عالمياً للقطن في تقويمها الدائم.
وموضوع الحدث لعام 2021 هو “القطن من أجل الخير” للاحتفال بالتأثير الإيجابي الدائم للألياف.
وتقول المنظمة إن القطن شبكة أمان للدول الأقل نمواً.
وتشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى وجود 28 مليون مزارع للقطن في جميع أنحاء العالم، فضلاً عن النفع الذي يعود به على ما يزيد عن 100 مليون أسرة في 75 دولة في خمس قارات من العالم.
تحديات كثيرة
وواجه مزارعو القطن في شمال وشرق سوريا هذا الموسم تحديات، أبرزها نقص مياه الري، وذلك بسبب حبس تركيا لكميات من مياه نهر الفرات بعد شتاء شحيح المطر، وهو ما أدى لتوقف متكرر في محطات الري في الرقة ودير الزور.
إلى جانب ارتفاع تكاليف استخراج المياه من الآبار في مناطق أخرى بسبب نقص الوقود وارتفاع تكاليف تشغيل المحركات وصيانتها بعد انهيار قيمة الليرة السورية في الأعوام الأخيرة.
ويرى “الشلش” ومزارعون آخرون أن غلاء أثمان البذار والمبيدات الزراعية والأسمدة، وعجزهم عن تأمينها في الوقت المناسب وبكمية كافية هي عوامل رئيسة أدت لتراجع زراعة القطن وتدني إنتاجه.
كما تسببت مساحات واسعة من المحصول هذا العام للتلف بسبب انتشار “دودة القطن”.
يقول المزارع في ريف الرقة إن 175 كيلوغراماً للدونم الواحد هو أقصى ما يتوقعه نهاية القطاف، بعد أن حصل العام الماضي على كمية 500 كيلوغرام من كل دونم.
ويضيف: “قلة الإنتاج جاء من قلة السماد والمبيدات التي وضعت خلال دورة الموسم البالغة قرابة ستة شهور”.
ويشدد “الشلش” على أن غالبية المزارعين في الرقة لم يكونوا قادرين على تأمين مستلزمات محاصيلهم بشكل يمنح شجيرة القطن الظروف المناسبة لحمل إنتاج جيد.
ويتميز محصول القطن بحاجته للري مرة كل عشرة أيام تقريباً، تزيد أو تنقص وفق درجات الحرارة وطبيعة التربة.
كما أنه يحتاج لعمال كثيرين نسبياً لأعمال التعشيب والقطاف خاصة، إلى جانب الري والتسميد وغيرها، وذلك ما يوفر فرص عمل لسكان محليين، إلا أنه يرفع التكاليف.
يقول “الشلش” إنه اعتاد على الاستدانة لتوفير مستلزمات محصوله، وكان يفي تلك الديون في موعد استلام ثمن أقطانه، إلا أنه خفّض من تلك الديون بحذر خلال الموسم الأخير مع بوادر إنتاج متدن.
تسعيرات وقرارات
وفي آب/أغسطس الماضي، أعلنت الإدارة الذاتية عن نيتها شراء كامل محصول القطن هذا الموسم، وذلك بعد أن تركت الأمر للتجار العام الماضي عقب عدم موافقة اتحادات الفلاحين لتسعيرتها المقترحة آنذاك.
وخلال الشهر نفسه حددت تسعيرة شرائها للقطن المحبوب بـ1.950 ليرة سورية للكيلوغرام الواحد، وهو ما كان أكثر من تسعيرة حكومة دمشق (1500 ليرة).
لكن وزارة الزراعة الحكومية أعلنت بعد أسبوعين رفعها التسعيرة لـ 2500 ليرة، لترفع الإدارة الذاتية بدورها التسعيرة للمبلغ نفسه.
وتحاول الإدارة التي افتتحت قبل أشهر معملاً للزيوت الغذائية في القامشلي الاستفادة من محصول القطن المحبوب في صناعتي الزيوت والألبسة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها، بحسب تصريح سابق لرئيس هيئة الاقتصاد والزراعة سلمان بارودو.
وفي الثالث عشر من آب/أغسطس الماضي، افتتحت شركة تطوير المجتمع الزراعي في الإدارة الذاتية، أربعة مراكز لاستلام محصول القطن، هي مركزا شنينة وكبش في الرقة، ومركز المحلجة في مدينة الحسكة، ومركز آخر في دير الزور.
والأسبوع الماضي، قال الرئيس المشارك لهيئة الاقتصاد والزراعة، إن مراكز استلام القطن التابعة للإدارة استملت أكثر من ستة آلاف و500 طن من محصول القطن حتى الآن.
ووصف إقبال المزارعين على المراكز التابعة للإدارة الذاتية بأنه “بالمستوى المطلوب”.
صناعة مهاجرة
أما الحكومة فلم تحدد أي مركز لاستلام القطن في الحسكة، بحسب وكالة سانا الرسمية والتي قالت إنه يمكن للمزارعين الراغبين بالتسويق نقل إنتاجهم إلى مراكز التسويق التابعة للمؤسسة العامة للأقطان في المحافظات.
واكتفت وزارة الزراعة في دمشق بنشر إحصاءات عن المساحات، منها أنه لم ينفذ من الخطة الزراعية سوى 62%، وأن المساحة المزروعة من القطن على مستوى سوريا بلغت نحو 29 ألف هكتار.
كما ويعاني الصناعيون في مناطق سيطرة حكومة دمشق تدهوراً اقتصادياً بعد أزمات متلاحقة وتدهور الأوضاع المعيشية للسكان، وهو ما لم تخفف منه إجراءات حكومية مختلفة.
وشهدت مدينة حلب التي تضم معامل للنسيج والألبسة، مؤخراً، إغلاق منشآت ومحال بسبب الضرائب والإتاوات التي تفرضها جهات حكومية، إلى جانب غرامات تفرض بذريعة التعامل بعملات أجنبية.
كما توالت قرارات حكومية كثيرة، قال صناعيون إنها أغلقت الأبواب في وجه أعمالهم وباتت سبباً مباشراً للهجرة، لا سيما نحو مصر التي استقبلت كثيراً منهم.
ويقدر خلدون الموقّع، وهو رئيس تجمّع رجال الأعمال السوريين في مصر، عدد الصناعيين السوريين العاملين في مصر بما بين 15 ألف و17 ألف صناعي، أما رجال الأعمال عامة فيزيد عددهم على 30 ألفاً.
ويوم أمس الأربعاء، قال فارس الشهابي، وهو رئيس غرف الصناعة التابعة للحكومة، إن قرارات السماح باستيراد الأقمشة المصنرة والتي تنتج محلياً “كارثية واعتراف بعدم وجود صناعة نسيجية عريقة في سوريا”.
وكان “الشهابي” قد حذر سابقاً من أن القرارات المقترحة للحكومة قد تؤدي لإغلاق أكثر من 1000 معمل نسيج في حلب وحدها.
وعقب منشوره الأخير بدأ سجال بينه ومسؤولين وصناعيين موالين للحكومة دافعوا عن قراراتها الأخيرة.
“ما بدي هالدوخة”
ولم يزرع محمود الحسين (32 عاماً)، وهو مزارع من بلدة كديران بريف الرقة الغربي، القطن في أرضه الزراعية بسبب خسارة قدرها العام الماضي بما يعادل 2200 دولار أميركي.
وكان السبب المباشر لخسارة “الحسين” هو آفة “دودة القطن” التي أتلفت معظم شجيراته قبيل موسم القطاف.
وسجل ريف الرقة هذا العام أيضاً انتشاراً واسعاً للآفات الحشرية في كثير من الأراضي الزراعية التي سجل بعضها إصابات شديدة، بحسب مكتب الوقاية في لجنة الزراعة بالرقة.
وتعرف الدودة الشوكية أو دودة القطن بأنها حشرة لا يتجاوز طولها ثلاثة سنتيمترات، بيضاء اللون تأكل جوز القطن والزهرة فور صدورها، ما يؤدي لفشل المحصول.
وفي تصريح سابق لنورث برس، لام المهندس حمود الخلف رئيس مكتب الوقاية في الرقة، المزارعين لعدم مراجعتهم للوحدات الإرشادية الموزعة في القرى لأخد الإرشادات اللازمة حول كيفية معالجة الآفة أو الوقاية منها.
بينما يشير مزارعون إلى عدم توفر مبيدات فعالة وارتفاع تكلفة بعضها.
يقول “الحسين عن ذلك الآن: “مابدي هالدوخة”.
بينما تدعو الأمم المتحدة في اليوم العالمي للقطن إلى مواصلة العمل على تقديم المساعدة لقطاع القطن في البلدان النامية لمواصلة الزيادة الإنتاجية والاستثمار وجلب الابتكار والمعايير المستدامة.