لماذا يحاول النظام طمس الخصوصية العلوية؟

في إطار سياسة النظام الحاكم منذ تسلم حزب البعث للسلطة عام 1963 في طمس خصوصيات مكونات المجتمع السوري وقتل الهويات الخاصة بكل مكون إثني أو مذهبي، في محاولة منه لصب الشعب السوري في قالب البعث الذي يؤمن بوحدة الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، وفي إطار فاشي عتيق تم استيراده من أوربا التي خرجت من العصور الوسطى بمفهوم القوميات وكلنا نعرف أن هذا الفكر القومي كان وبالاً وكارثة على أوربا وتسبب في النهاية بحرب عالمية ثانية كان من نتائجها دمار الحضارة ومقتل نحو 60 مليون إنسان ناهيك عن جرائم الحرب الأخرى التي ارتكبتها الجيوش الأوربية جميعها.

يؤكد أحد أهم مؤسسي الفكر القومي (زكي الأرسوزي) على ارتباط الفكر القومي بالإسلام وكذلك يؤيده المؤسس الآخر (ميشيل عفلق) والذي أكد في مقولاته على أن (الإسلام هو روح القومية العربية)، ومع ذلك يصر البعث على تصدير أيديولوجيته على أنها قائمة على العلمانية فيما هو في صميمه فكر فاشي يقوم على الدين مثله كمثل باقي التنظيمات الإسلامية الأخرى، وبالرغم من ذلك فإن قوانين البعث تمنع تأسيس الأحزاب على أساس ديني، وهذا قرار مضحك بالفعل.

في إطار هذه السياسة الهادفة إلى دمج جميع مكونات الشعب السوري قسرياً في منظومة البعث القومية، عمد النظام إلى طمس الهوية العلوية والقضاء على الهوية العلوية التي تشكلت منذ آلاف السنين، والدليل على تغول الديانة العلوية في التاريخ يكمن في احتفالاتهم بـ(عيد الرابع) الذي يحتفل به العلويون في شهر نيسان، الشهر الرابع في السنة الميلادية، ولا يخفى على أي مطلع على التاريخ ترابط هذا العيد بالديانات ما قبل السماوية، فهو طقس يعود في أصله إلى عبادة الإله تموز الذي ينهض من موته في الشهر الرابع من كل سنة ليمر على حقول القمح فتخضر وتثمر ويكثر ثمارها ويحميها من الأوبئة. ولكن نظام حافظ الأسد منع هذا الاحتفال منذ عام 1970 بسبب قانون الطوارئ الذي يمنع التجمعات لأكثر من شخصين.

وهناك قمع مشابه واجهه الأكراد في موضوع احتفالاتهم بعيد النيروز، وحين لاحظ حافظ الأسد أن الأكراد أعند من أن يستطيع منعهم من الاحتفال بعيدهم التف على الموضوع وحول يوم الاحتفال الكردي يوماً لعيد الأم، خطوة خبيثة الهدف منها طمس الخصوصية الكردية ومنع ظهورها.

قد يظن البعض أن النظام طائفي فيجد أن هذا الكلام الذي نقوله غريباً أو غير منطقي، ولكن الحقيقة أن النظام لم يكن طائفياً بل كان مناطقياً فجميع المقربين منه وأصحاب المناصب الحساسة في الدولة هم من منطقته (منطقة جبلة بالذات) وما عدا ذلك كانوا تماماً كمناصب السنة، مجرد وظائف اسمية لا قيمة لها ولا تأثير.

لا شك أن العلويين تعرضوا لشيء من الاضطهاد والإقصاء إبان الحكمين المملوكي والعثماني ولكن أياً منهم لم يحاول طمس الهوية العلوية أو طمس الخصوصية العلوية، صحيح أنهم أطلقوا على العلويين صفات مثل الكفر والإلحاد، حتى أن ابن تيمية يحلل أموالهم وأعراضهم وأرواحهم بل وشارك في إحدى الحملات المملوكية على الساحل السوري، ولكن كل ذلك لم يكن يهدف لدمج العلويين في البوتقة السنية أو فرض هوية الأكثرية على العلويين.

 إن الضربة القاضية التي تعرض لها العلويون كمكون له خصوصيته في المجتمع السوري كانت على يد حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار، اللذين حاولا وبشكل حثيث طمس الهوية العلوية عبر دمج العلويين في الهوية العامة للدولة كما فعل مع الأكراد وفشل، وكذلك حاول مع الدروز وأيضاً فشل بسبب قوة التماسك في هذين المكونين، حيث ينحصر امتداد كل منهما في مساحة جغرافية ضيقة، على عكس العلويين الذين بنى الأيوبيون ومن بعدهم المماليك ومن ثم العثمانيون قرى وقلاعاً ضخمة لمراقبتهم وقمع انتفاضاتهم وكل محاولة للاستقلال عن الدولة، ولفرض مركزية الدولة، ولكن كل الاحتلالات السابقة لم تجر العلويين للنزول إلى العاصمة بأعداد هائلة ثم محاولة دمجها في المجتمع الدمشقي كما فعل الأسدين الأب والابن.

 وكذلك مارس النظام عملية تفقير مقصودة ومتعمدة في القرى العلوية لإجبار أبنائها على النزول إلى دمشق والعمل في المخابرات والجيش لحماية عرشه وكرسيه، ما أسهم فعلاً في دمج فئات كبيرة من العلويين في المجتمع الدمشقي على حساب هويتهم الخاصة، ولعل هذه السياسة قد تجد من يصفق لها بدعوى الانسجام في المجتمع، فهي محاولات إيجابية في المجتمع، ولكن هذا الكلام مردود عليه، ذلك أن طمس خصوصيات الشعب السوري قسراً تعني في نهاية المطاف النتيجة التي وصلت إليها البلاد منذ إحدى عشرة سنة وحتى الآن،


وللكلام بقية.