الجفاف والغلاء يغيّران تقاليد معتادة لمربي مواش في الرقة
الرقةــ نورث برس
يبيع عبد الرزاق المحمد (32عاماً)، وهو مربي مواش في ريف الرقة شمالي سوريا، رؤوساً من أغنامه ليؤمن بثمنها علفاً لبقية القطيع.
ولا يدري هو ومربون آخرون كم سيفقدون من مواشيهم إلى حين هطول الأمطار وتوفر المراعي، وسط مخاوف من قلة كمياتها كما حدث الشتاء الفائت.
يقول “المحمد” الذي يعيش في قرية حويجة السوافي، 3 كم جنوب مدينة الرقة، إن تصاعد أسعار الأعلاف استمر خلال الأشهر الماضية مع ركود أسواق بيع المواشي، وهو ما يحدث في أعوام الجفاف.
وتعتبر تربية الأغنام مع الزراعة مصدرا دخل تقليديان لسكان الرقة، حتى أولئك الذين لا يعتمدون عليها بشكل كلي.
فإذا كان المربون يعتمدون في عيشهم على بيع منتجات مواشيهم، وفي مشاريعهم الحياتية كزواج أبنائهم وبناء غرف جديدة ضمن منازلهم على موسم بيع الخراف.
لا يستغني كثير من أصحاب المهن والوظائف عن عدة رؤوس تؤمن احتياجات عائلاتهم من الألبان والأجبان.
لا أعلاف مخزنة
ويضيف المربي “المحمد” أن غلاء الأعلاف منع المربين من تخزين حاجة العام كما اعتادوا، وحلت طريقة تغذية القطيع من خلال بيع رؤوس منه محل تقليد تخزين الأعلاف.
“القحط” كلمة يصف بها المربون حال المراعي الواسعة في أرياف الرقة والبوادي القريبة، لتتوجه أنظارهم إلى “الضمان” وهو شراء مخلفات خضراء لمحاصيل محصودة في أراضٍ زراعية تقلصت مساحاتها أيضاً.
الأمر يبدو غريباً في منطقة تضم أراض خصبة ونهراً، واشتهرت على مر عقود بمحاصيل القمح والشعير والقطن والذرة وغيرها.
لكن شح الأمطار وتخفيض تركيا لنسب تدفق مياه الفرات نحو الأراضي السورية أطاحا بمحاصيل زراعية في مساحات واسعة، لتصبح خيارات الضمان محدودة بدورها.
ووصل سعر الدونم الواحد من مخلفات المحاصيل إلى 70 دولاراً أميركياً في الأراضي التي تحتوي كمية غذاء جيدة للمواشي.
وتضم قطعان الأغنام في الرقة أنواعاً من الأغنام كالحمداني والحركي والنجدي، لكن بنسب قليلة بالمقارنة مع النوع البلدي (العواس).
ويتراوح سعر الخروف في أسواق المواشي بالرقة ما بين 250 ألف ليرة و400 ألف ليرة سورية، في حين يصل سعر الكيلوغرام الواحد من لحومها في محال الجزارة إلى 18 ألف ليرة سورية.
وتتمتع أغنام “العواس” بصفات تسويقية تكسبها ميزة نسبية عن باقي سلالات الأغنام، كقدرتها على السير لمسافات طويلة في المراعي، واحتواء حليبها نسبة عالية من الدسم، بحسب “المحمد”.
كما تتميز بإنجابها التوائم حيث تصل نسبة ولادات التوائم من هذا النوع إلى ما يقارب عشرة بالمائة.
وتلك الصفات تجعل هذا النوع من الأغنام ثروة متجددة في حال تم إدارة تربيتها بشكل جيد، بحسب مربين.
وجهة مغايرة
وعزف كسار الغضبان (60 عامٱ)، وهو مربي أغنام في قرية كسرة محمد آغا، 20 كم جنوب شرق الرقة، عن التوجه لمراعي البادية جنوباً هذا العام، حيث يلجأ بدل ذلك لأطراف نهر الفرات لتوفر “الضمانات الزراعية”.
وتبقى لدى “الغضبان” 120رأس غنم من أصل 300 أجبر على بيع 180منها لعدم قدرته على تأمين حاجتها من العلف.
وينوي الآن بيع أربعة رؤوس أخرى لدفع ثمن ضمانه لمخلفات محصول زراعي قد لا تكفي قطيعه لأكثر من عشرة أيام.
وفي الأسواق، وصل سعر الكيلوغرام الواحد للشعير 1400 ليرة سورية ، وتباع النخالة بألف ليرة وتبن القمح بـ 600 ليرة سورية، بحسب تجار في سوق الماكف بالطرف الشرقي من المدينة.
ويقدر مصرف العلف المتوسط لرأس الغنم الواحد بـ 1200 ليرة سورية كل يوم، بحسب مربين.
وبحلول الخريف وعدم توفر مخزون علفي لدى مربي المواشي يتخوف البعض من مجاعة قد تفتك بقطعانهم.
ذلك ما حدث عام 2008، حين عجز معظم مربي المواشي عن تأمين شيء ينقذ أغنامهم من الهلاك، بحسب (الغضبان).
وبحسب تقارير صحفية، حينها، فإن 59 ألف مرب سوري فقدوا قطعانهم بالكامل فيما فقد 47 ألفا ما بين 50 بالمائة و 60 بالمائة من مواشيهم.
كما أصاب الهزال الأغنام فأصبح متوسط وزن الخروف ذلك العام 30 كغ بعدما كان 50 كغ.
دعم محدود
ويعتقد “الغضبان” أن من واجب مكتب الثروة الحيوانية في الرقة التابع للجنة الزراعة والري، إمداد المربين بأعلاف مدعومة السعر والأدوية البيطرية بما يتناسب مع عدد رؤوس كل قطيع.
وبداية هذا العام، انتشرت أمراض عديدة بين الأغنام منها كالجدري والحمى القلاعية التي قضت على 20 بالمئة من الخراف الصغيرة لبعض المربين، بحسب مربي أغنام في ريف الرقة الجنوبي.
ويبلغ عدد المواشي، وفقاً لمكتب الإحصائية في لجنة الزراعة بالرقة، مليون و600 ألفاً من الاغنام والماعز، وستة آلاف و300 من الإبل وستة آلاف من الابقار بالإضافة إلى أعداد من الخيول والماعز الشامي.
يقول “الغضبان” إن الدعم الذي يتلقاه مربون الآن يقتصر على 15 كغ من مادة نخالة القمح لكل رأس من الغنم والماعز ولمرة واحدة.
ويضيف أنه لم ينل حتى تلك المخصصات بسبب قلة الكميات الموزعة.
وبداية كانون الثاني/يناير الماضي، أصدرت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا قراراً بخفض سعر مادة “النخالة” العلفية للحيوانات إلى 300 ليرة سورية للكيلوغرام الواحد بدل سعرها السابق 430 ليرة.
بالإضافة إلى عملية إحصائية للثروة الحيوانية في شمال وشرق سوريا، لتصبح أرقامها أساساً لدراسات تخص الفترة القادمة.
ومن جانبه، قال منذر رفعة، وهو نائب رئاسة لجنة الزراعة والري، إن اللجنة على معرفة بما آلت إليه الثروة الحيوانية، “لكن لم نستطع أن نصل لكافة المربين وتقديم الدعم لهم، بسبب ضعف الإمكانات”.
وأضاف، لنورث برس، أن مكتب الثروة الحيوانية وزع مادة النخالة بمقدار نصف كيلو غرام لكل رأس من الغنم والماعز لشهر واحد، لكن لم نستطع تلبية حاجة مربي المواشي من أدوية وأعلاف.
وأشار “رفعة” إلى أن لجنة الزراعة والري تلقت دعماً لإنشاء معمل علف في مدينة الرقة بطاقة إنتاجية تبلغ 50 طناً بالساعة.
وقال إن تلك الأعلاف مخصصة للدواجن والأسماك والأبقار ومن بعدها للأغنام.