الرقة- نورث برس
استقال محمد العبود (31 عاماً)، وهو مدرس لمادة الرياضيات في الرقة شمالي سوريا، من مهنة التعليم هذا العام، لأن راتبه الشهري من التعليم لا يكفي لتغطية احتياجات عائلته.
ويبلغ الراتب الشهري للمعلمين في شمال وشرقي سوريا ما يقارب 300 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 85 دولاراً أميركياً.
وانتقل الرجل المعيل لعائلته المكونة من خمسة أفراد للعمل في محله الصغير للبقالة الذي افتتحه في الجهة الغربية للمدينة.
ويوافق اليوم العالمي للمعلم الخامس من تشرين الأول/أكتوبر من كل عام، إذ تحتفي فيه الأمم بمن أوكل لهم إنشاء جيل قادر على دفع أجيال بأكملها نحو التقدم والتطور.
وقال “العبود”، لنورث برس، إن المشكلات التي واجهته أثناء التعليم تتركز في “بذل جهد كبير مقابل دخل مادي لا يكفيه لتوفير متطلبات منزله”.
واعتبر أن المعلم مقارنة بباقي موظفي المؤسسات الأقل دخلاً والأضعف من حيث الخدمات والمميزات التي تقدمها المؤسسات لموظفيها.
ومن جهة أخرى، يعتقد “العبود” أن تركيز المعلم اهتمامه على عمل إضافي يؤمن له دخلاً يسد احتياجات أسرته، سوف يقلل من الاهتمام بالواجبات “وسيصبح الأداء أثناء التدريس أدنى من المطلوب”.
تحديات أخرى
وقال “العبود” إنه واجه عقبات أخرى خلال عمله مدرساً، من بينها سماع تهديدات بالفصل من مديري المدارس.
ورأى أن من المفترض تمتع المعلم على الأقل بالاحترام، وليس سماع جمل تقول “إذا ما عجبك في غيرك”.
وأشار “العبود” إلى أنه يجب النظر إلى البلدان المتطورة في خصوصية المعلم ومهنته، “فإن كنا نريد تعليماً أفضل، ينبغي أن يكون اليوم العالمي للمعلمين بمثابة إعادة تحديث لأوضاع المعلمين في منطقة شمال وشرق سوريا”.
وذكر أن “المضايقات الإدارية للمعلمين يجعل غالبيتهم يركزون على الشكليات دون المضمون”.
وانتقد المدرس نظام التقييم المتكرر الذي يخضع له كل معلم في مدارس الإدارة الذاتية، إذ يخضع لثلاث تقييمات من هيئة التربية ومكتب الرقابة التابع لها ومديري المدارس في كل فصل دراسي.
ويقول إن بعض الأشخاص الذين يجرون التقييمات لا يمتلكون الكفاءة والاختصاص.
ويعتبر “العبود أن مدارس الرقة تضم “مدرسين كثر أصحاب ضمائر، بينما يعمل آخرون ه بمقدار المبلغ الذي يتقاضونه شهرياً”.
وقال: “للأسف هذا سيجعل التعليم غير مجد وليس له مستقبل للمعلم وللمتعلم”.
مستقبل مجتمع
وقال سعيد سراج، وهو معلم لغة عربية في مدرسة السوافي بالريف الجنوبي، إن المشكلة الحقيقة التي يعاني منها المعلم، تكمن في مسألة عدم تقبل أولياء التلاميذ لهم.

وبداية طرد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من مدينة الرقة عام 2017، كان الإقبال كبيراً من حملة الشهادات الثانوية العامة والشهادات الجامعية للمباشرة بالتعليم في مدارس الرقة.
لكن “سراج” أضاف أن بعض السكان ما يزالون يفضلون مناهج الحكومة السورية على المناهج التي وضعتها الإدارة الذاتية.
ويعتقد أن الإدارة الذاتية تتحمل مسؤولية ذلك بسبب بقاء اهتمامها بالعملية التربوية “غير ممنهج، فورود أخطاء في الكتب المدرسية يظهر عدم الاهتمام بها”.
وفي الخامس والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، نظم مجلس سوريا الديمقراطية، مؤتمر “الحوار الوطني بين أبناء الجزيرة والفرات” بمدينة الحسكة، بهدف الوصول إلى رؤية موحدة لعدد من القضايا في المنطقة ومنها المناهج التعليمي.
ورأى الدكتور حسن العيسى، وهو رئيس جامعة الشرق في الرقة، أنه يجب عدم وضع معوقات مادية أمام دور المعلم في بناء جيل قادر على التغيير.
وذكر أن اليوم العالمي للمعلمين هو نوع من الدعم المعنوي والتكريم لهم، وعلى المجتمع أن يقدر عمل المعلم معنوياً ومادياً.
“ويجب تغيير ثقافة المجتمع للنظر إلى المعلم على أنه الأعلى شأناً وعدم النظر إليه نظرة سطحية”.
ومهنياً، يقترح “العيسى” أن تجرى دورات تعليمية للمعلمين، ومناقشات واجتماعات تشاورية بينهم، لتفعيل دور أكبر لهم عن طريق مواكبة تطوير المناهج الحديثة.
ومن جهته، قال إسماعيل الأحمد، وهو عضو في مكتب التوجيه التربوي للجنة التربية في مجلس الرقة المدني، إن معظم المعلمين الذين يتركون المهنة يهدفون لتحقيق دخل مادي أنسب.
واعتبر أن أي تدهور في وضع التعليم سينعكس سلباً على الأفراد والمجتمع.
وأضاف أنه بالفعل هناك معلمون استقالوا لتأمين عيش أفضل ومردود اقتصادي أكبر، “ومعظم أولئك اتجهوا نحو المنظمات والأعمال الحرة”.
كما وأشار “الأحمد” إلى أن قلة فرص العمل للمتعلمين وتدني الأجور أدى لإهمال التعلم عند معظم الأسر الفقيرة ذات الدخل المحدود.