شيكاغو حلب ليس لفظاً مجازياً وإنما حي من أحيائها

حلب ـ نورث برس

توفيت آية سليمان وهي ابنة ثمانية وعشرين ربيعاً، نتيجة إصابتها بطلقة طائشة خلال اشتباك مجموعة من مسلحين يتبعون للحكومة السورية فيما بينهم على مدخل حي الحميدية بمدينة حلب شمالي سوريا.

وتسيطر مجموعة “الحزاري” على منطقة الحميدية بمدينة حلب، وهي قوات رديفة لقوات الحكومة السورية يقاتلون تحت راية اللجان الشعبية، ويتلقون أوامرهم من فرع الأمن السياسي بحلب.

محميون من المسألة

يتحدث والد المغدورة “نضال سليمان (60 عاماً) والدموع تغرق عينه “توفت ابنتي وهي حامل في شهرها الخامس، ماتت دون أن ترى طفلها، ماتت وهي في بيتي للاطمئنان علي، لن أتنازل عن دم ابنتي حتى الممات”.

وأصيبت آية وهي في طريقها لإغلاق النافذة، بطلقة طائشة جراء اشتباكات اندلعت أسفل منزل والدها.

وفارقت آية الحياة في مشفى سلوم في حي العزيزية  في الخامس عشر من أيار/ مايو الفائت، وذلك بعد وصولها بأقل من ساعة، نتيجة النزيف الشديد لإصابتها البليغة في رقبتها وفارق معها جنينها الحياة.

ويضيف الأب بأن مسلحي “شبيحة الحزاري” هم “القتلة”. وكتب ضبطاً لدى الشرطة فوراً وتم تحويله إلى المحامي الأول في حلب.

ولكن الشرطة قامت بالتستر على المجرمين واتفقت مع المدعو خالد الحزاري على تسليم طفل لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره على أنه هو المتسبب.

ويقول نضال أنه حتى الآن لم يتم محاكمة المجرم الذي وصفه بـ”الافتراضي”، “سلموا طفلاً ليتلبس الجريمة كي يكون حكمه أخف، رغم معرفتي التامة بأن المجرم كان في العقد الثالث من العمر”.

ويشير إلى أنه حتى الآن لم يتم تحديد جلسة المحكمة رغم مرور عدة أشهر على الحادثة “انتظر المحكمة لأرفض تستر مجموعة الحزاري على المجرم الحقيقي لن أرضى بتسليم قاصر بريء بدلاً من قاتل ابنتي”.

ويعتبر حي المعري من أحد الأحياء الخاضعة لسيطرة مسلحي مجموعة “الحزاري” والتي تعرف باسم “مجموعة الصقر الجارح” ويتزعمها المدعو “خالد الحزاري” التابع لشخص يدعى “أبو علي قزق” ويتلقون دعمهم المالي من جمعية البستان التي كان يمولها رامي مخلوف ابن خالة الرئيس السوري بشار الأسد.

استباحة أملاك خاصة

شعبان منصور (55 عاماً) وهو مهندس متقاعد من شركة نقل الكهرباء من سكان حي الحميدية اشترى مولدة أمبيرات بغرض العمل والاستفادة مالياً.

ولكن مجموعة “الحزاري” فجرت له المولدة وهددته بالقتل في حال إعادة تصليحها والعمل في الحي مما اضطره لتأجير منزله والسكن في حي صلاح الدين خوفاً على حياته.

يقول “منصور” إنه باع أرضاً كان يملكها في الريف الشرقي لمدينة حلب واشترى بخمسين مليون ليرة سورية مولدة كهرباء لتغذية حي السيد علي.

ولكن عند انتهائه من تمديد الأسلاك وبدء العمل تم تفجير مولدته التي كانت موضوعة أمام “مدرسة الغسانية” في الأسبوع الأول من عملها من قِبل المجموعة ذاتها.

“أخبرني الحارس أن المولدة انفجرت، فذهبت مسرعاً لأرى ماذا حصل، ليحضر مسلحين ملثمين مع وصولي ويقولان لي (شو ما بيلزمك بلحارة نحن جاهزين وبننقلك تحيات السيد خالد شخصياً وبقلك أرحل من الحارة أحسنلك).

سارقون دون محاسبة

اضطر عبد المنعم الدالي (45 عاماً) وهو من سكان حي السيد علي، لبيع منزله والمحل الذي كان يملكه في الحي كي ينتهي من “شرور المجموعة”، بحسب وصفه.

وعاد “الدالي” إلى منزله مع بداية استرداد القوات الحكومية معظم أحياء حلب وافتتح محلاً لبيع المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية “سوبر ماركت”.

ولكن المجموعة “تسلطت عليه وكانت تأخذ ما يحلو لها دون أن يدفعوا ثمنها ناهيك عن أخذهم خوة أسبوعية”، بحسب الرجل.

ويضيف: “الحكومة السورية لم تستطع حمايتي وإعادة حقي وتعبي، فكيف سأبقى في هذا الحي، إنها شيكاغو وليست حلب، فضلت الانتقال لحي آخر على أن أعمل لأجل مجموعة مارقة، تسرقني دون استطاعة أحد حمايتي”.

ويمنع على الشرطة وبقية الأفرع الأمنية الدخول إلى حي السيد علي أو اعتقال أي شخص مطلوب قبل التنسيق مع متزعم مسلحي الحي المدعو خالد أو المدعو أبو علي، بحسب “الدالي”.

إتاوة وخوة شهرية

تدفع رنا فاروق (45 عاماً) شهرياً ثلاثمائة ألف ليرة سورية، كخوة لمجموعة خالد الحزاري كي يتم السماح لها بعمل صالة الباسل للأعراس في حي الحميدية، والعائد ملكتيها لزوجها المتوفي منذ 2018.

وتقول “فاروق” إنها رفضت في بادئ الأمر أن ترضخ لطلبهم وتقبل بابتزازهم لها، “فأقدموا على ثقب أحد إطارات سيارتها والذي كلفها تصليحه آنذاك حوالي مئة وخمسون ألف ليرة سورية”.

وتضيف: “هددوني وقالوا لي هذه المرة اكتفينا بثقب إطار سيارتك ولكن الأسبوع القادم سيكون الحريق من نصيب صالتك إن لم تدفعي”.

ولم تعد “فاروق” تذهب إلى الحي خوفاً على نفسها، حيث يقوم مدير الصالة بدفع الخوة شهرياً للمجموعة المسلحة حفاظاً على الصالة وللسماح لهم بالعمل.

“لم أعد أذهب للحي منذ ذاك الوقت، ماذا يضمن لي أن لا يقتلوني هذه المرة، فلا سلطة هناك فوق سلطتهم فلا سلطة للدولة عليهم، بل إنهم محميون من قِبلها أيضاً”.

وتثير معظم المجموعات المسلحة التابعة لقوات الدفاع الشعبي، والموالية لحكومة دمشق فساداً في الأحياء التي تسيطر عليها، دون أن تستطيع قوات الشرطة إيقافهم، لشدة سطوتهم وحمايتهم من قِبل الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة السورية.

إعداد: آردو حداد – تحرير: محمد القاضي