شهدت مشاركة وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، في أعمال الدورة العادية لهيئة الأمم المتحدة في نيويورك الكثير من النشاطات واللقاءات، كان أبرزها لقاؤه مع وزير الخارجية المصري سامح شكري، ولقد ركز إعلام النظام على هذه النشاطات وأبرزها بل وكرر بثها أكثر من مرة، ما يعني أن النظام كان يريد شيئاً محدداً من هذه المشاركة ومن هذا الإبراز الإعلامي، رغم قناعتي الشخصية (وفقاً لما رشح من تسريبات) أن تلك الاجتماعات لم ينتج عنها شيء ذا قيمة بالنسبة للنظام أبعد من فكرة الإبقاء على الوضع كما هو عليه، ولكن النظام أراد القول بأنه نجح في كسر طوق الحصار وبأنه انتصر في النهاية وأن الجميع يتهافت لإعادة العلاقات معه.
كل الدلائل تشير إلى أن كل اجتماعات المقداد في نيويورك لم تقدم شيئاً ذا بال للنظام ليس بسبب عدم رغبة المجتمع الدولي في تحقيق تسوية سياسية في سورية، بل على العكس، وإنما كل ذلك يعود إلى تعنت النظام ورفضه لكل الحلول المقترحة عليه، فهو يريد العودة بالأوضاع إلى ما كانت عليه البلاد قبل اندلاع الثورة عام 2011 وهذا ما لن يقبل به أحد، ذلك أن تجاهل كل الخراب الذي حدث وملايين المهجرين واللاجئين، وتدمير البنى التحتية وتدمير الاقتصاد السوري، ناهيك عن مئات آلاف الشهداء يعني خللاً في الانسانية لم تشهده في تاريخها، كما يعني أن العالم يرضخ لإرادة ديكتاتور مجنون مصاب بعقد كثيرة ليس أولها ولا آخرها عقدة العظمة التي تلازمه من قبل استلامه للسلطة عام 2000.
في لقاء افتراضي مع باحثين في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط قالت الرفيقة إلهام أحمد، رئيسة مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، إنهم مدوا أيديهم للنظام في أكثر من مرة وأكثر من مناسبة وحاولوا عقد صفقة سياسية معه تقوم على احترام مبدأ الديمقراطية اللامركزية الموسعة، ولكن النظام يصر على تعنته ورفضه لكل المقترحات التي تقدم بها (مسد)، ما يعني أن بشار الأسد يريد العودة بسوريا إلى مركزيتها الشديدة السابقة بحيث يكون النظام هو المسؤول الوحيد عن تعيين الأشخاص في المناصب من أكبرها وأكثرها أهمية إلى أصغرها وأقلها شأناً، فالنظام لم يتغير قيد أنملة حتى الآن بالرغم من كل ما حدث، وما يزال مصراً على أنه الوحيد المخول بتسمية رئيس اتحاد كرة الماء، رغم أن عدد اللاعبين الذين يمارسون هذه اللعبة يعدون على أصابع اليد الواحدة، وما يزال النظام مصراً على أنه وحده المخول بتسمية المخاتير ورؤساء البلديات والمحافظين والوزراء، إذ ينص الدستور السوري على أن رئيس الجمهورية هو الذي يسمي الوزراء ومعاونيهم، وهو الذي يسمي المحافظين ونوابهم، ولم يبق إلا أن يكون من حق النظام – وفقاً للدستور – تسمية المواليد الجدد وأسماء آبائهم وأمهاتهم وأجدادهم، بل ويحدد حتى تواريخ ميلادهم (في سبيل القضاء على المؤامرة التي تستهدف خط المقاومة وإنهاء القضية الفلسطينية).
ولا أستغرب أن يصدر قرار قريب عن النظام يتهم فيه كل من يلد دون إذنه بأنه خائن وعميل لإسرائيل وجبهتها وحلفائها وبأنه متآمر مع القوى الرجعية لتصفية جبهة المقاومة التي تتكون من سوريا وحزب الله فقط أما باقي دول العالم، وخاصة العربية منها، فهي خائنة وعميلة وتسير في ركب الإمبريالية، هذه الشعارات الممجوجة حفظها السوريون عن ظهر قلب وملوها وكشفوا زيفها، إلا أن النظام مازال يصر على تردادها وتكرارها مستخدماً بعض المثقفين رخيصي الثمن الذين هم في غالبيتهم عملاء لأجهزة استخبارات النظام.
إن النظام هنا وبهذا الدستور المتخلف أشبه بطاغية روما (كاليغولا) الذي أدخل حصانه كعضو في مجلس الشيوخ ولا أستبعد أن يفعلها النظام قريباً، وبالعموم فإن أعضاء مجلس الشعب ليسوا بعيدي الشبه عن حصان كاليغولا.
كل الدعاية التي أحاطت بلقاء وزير خارجية النظام في الأمم المتحدة لن تفيد شيئاً لأن الزمن كفيل بكشف عدم جدواها وبأنها لم ولن تصل إلى شيء يمكن التعويل عليه إلا إن تغير النظام ذاته، في حين يصر النظام على أن البشرية كلها يجب أن تتغير وفقاً لأهوائه وأفكاره ومواقفه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على العقدة التي أشرنا إليها سابقاً، عقدة العظمة التي أصابت قبله الكثير من الطغاة أمثال كاليغولا ويوليوس قيصر وريتشارد الثالث، ولا أظن أن مصيره سيكون بعيداً عن مصير أولئك الطغاة ولربما أبشع بما لا يقاس.