كورونا ينشر وباء “مس الجن” بين لاجئين سوريين في إقليم كردستان
أربيل – نورث برس
من خيمته في مخيم “برده رش” للاجئين السوريين في إقليم كردستان العراق، يزعم أبو محمد (37 عاماً) أن الجن مس مئات الأشخاص من سكان المخيم خلال الأشهر الماضية، وأنه يعالج نحو أربع حالات في اليوم الواحد.
ويضيف: “إنهم يشعرون بالراحة ويدعون لي”.
كان ذلك في العام 2014 عندما أنشئ هذا المخيم، على بعد 32 كيلومتراً شمال شرقي مدينة الموصل، وذلك أثناء سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على المدينة.
وفي ذلك العام فرت مئات العائلات من الموصل والتجأت إلى المخيم وبقيت فيه نحو ثلاث سنوات، وبعدها بقي المخيم مهجوراً لنحو سنتين إلى أن اجتاز نحو 11 ألف لاجئ سوري الحدود العراقية فراراً من القصف التركي على مناطق رأس العين/سري كانيه، نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2019 وسكنوا فيه.
كورونا أم مس من الجن؟
مع انتشار جائحة كورونا فرضت ولأول مرّة إجراءات الحجر الصحي على المخيم بالتزامن مع إعلان إقليم كردستان العراق في منتصف آذار/مارس 2020 إغلاقاً كاملاً في الإقليم، لتتالى فترات الحجر والإغلاق, التي قيدت حرية التنقّل في المخيم وخارجه، ما تسبب بظهور حالات من الاكتئاب الدائم والأزمات النفسية لدى اللاجئين.
وشكل هذا الواقع فرصة لـ”أبو محمد” الذي تستعصي عليه القراءة والكتابة لممارسة مهنة “العلاج الروحي”، إذ يرتاد خميته يومياً مرضى يعانون اضطرابات نفسية، ويعتقدون أنهم مسيّرون من قبل “أرواح خفيّة، أو أن الجنّ قد مسّهم”.
وبالرغم من غياب أي إحصاءات رسمية، يقول “أبو محمد” أنه عالج بطريقته الخاصة 300 حالة كانت تعاني من مشاكل نفسية.
وينفي الرجل أن يكون لإجراءات الإغلاق بسبب كورونا أي علاقة بظهور هذه الحالات، ويعتقد بأنّ أسباب انتشار الإضطرابات النفسية تعود إلى “بقاء المخيم مهجوراً لسنين، واتخاذه من قبل الجن مسكناً”.
لكن خبراء صحة تابعون للأمم المتحدة، أعلنوا في 14 أيار/ مايو 2020، أنّ “أزمة أمراض عقلية تلوح في الأفق، بسبب شعور ملايين الناس في جميع أنحاء العالم بالخوف من الموت والفقر والقلق من فيروس كورونا والاضطرار إلى العزلة”.
كيف انعدمت الطبابة؟
ما أن أعلن الحجر الصحي في إقليم كردستان، حتى انسحبت المنظمات المهتمة بالصحة النفسية من المخيّم، وعلّقت أعمالها، ما أدى إلى استفحال المشكلة بسبب تعطّل خدمات الطبابة النفسية، وفاقم العزل الاجتماعي على الصحة النفسية للاجئين يوماً بعد آخر، كما أنّ إغلاق مراكز النشاطات الترفيهية والتعليمية للأطفال والشباب عمّق من المشكلة أكثر فأكثر بحسب مختصين.
منظمة /SEES بذور، المهتمة بالدعم النفسي الاجتماعي كانت من بين المنظمات التي سحبت كوادرها الطبية من المخيم طيلة فترات الحجر الصحي، واقتصر عمل الكوادر الطبية للمنظّمة خلال فترات الحجر على التواصل مع مرضاهم عن بُعد وتقديم المشورة لهم عبر الهاتف.
وتزداد الضغوطات النفسية على الرجال نتيجة العزل الاجتماعي، عدا عما يعانونه من بطالة وقلّة للموارد المالية، في ظل تراكم احتياجات أسرهم وعدم قدرتهم على تلبيتها.
يقول أبو محمد: “عالجت اليوم رجلاً متزوجاً يبلغ من العمر 37 عاماً، كان يضحك ويتكلم مع نفسه”.
ويشرح أبو محمد طريقته في العلاج: “أشدّ خيطاً رفيعاً على معصم المصاب، وأقرأ المعوّذات، فيكون الشفاء”. ويضيف: “لقد عالجت اليوم أماً لأربعة أطفال، كانت تعضّ الأحجار في وسط المخيم”.
لماذا أصبح أبو محمد ملاذاً؟
وبحسب أبو محمد فإنّ شريحة الشباب هي الأكثر معاناة من “الكرب العقلي” وباتت تصرفات الشباب والفتيات غير اعتيادية “عالجتُ فتاة تبلغ من العمر 20 عاماً، كانت تخرج بين الناس منفوشة الشعر”.
وبهذا الصدد، قال تيدروس أدحانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية في تصريحات صحفية في وقت سابق إنّ أثر الجائحة على الصحة النفسية للناس يُعد بالفعل “مصدراً كبيراً للقلق، فقد زادت وطأة العزلة الاجتماعية، والخوف من العدوى، وفقدان أفراد من الأسرة”.
ولا تخفي العديد من الجمعيات والمنظمات الإنسانية المهتمة بالصحة قلقها إزاء الصحة النفسية للمهاجرين والأشخاص الضعفاء الذين يعيشون في المخيمات والذين يعيشون دون مأوى، خاصة في ظل الحجر الصحي وما يتبعه من إجراءات معقدة.
كما أن مخاطر استمرار تتالي فترات الحجر الصحي والعزل الاجتماعي بين اللاجئين في المخيمات، وبدون التدخل من قبل المنظمات المعنية، يزيدان من انتشار حالات الاضطراب النفسي، ما يعني أن الملاذ الأخير لسكان مخيم مثل “برده رش” سيكون أبو محمد.
تقول عبير علي( 38 عاماً) وهي لاجئة تعيش في المخيم: “عندما يصيبنا مكروه ما نلجئ فوراً إلى أبو محمد”.
ويقول أبو محمد “لولا العلاج الذي يتلقونه منّي لرأيت أفواجاً من المجانين يمشون وسط المخيم”.