شهادات عمال وتجار للفحم في دمشق تشير لما حل بأشجار البلاد
دمشق- نورث برس
يدرك حازم الزين (44 عاماً)، وهو تاجر حطب في سقبا بغوطة دمشق الشرقية، أن التحطيب وتجارة الفحم يأتيان على أشجار وحراج كثيرة في البلاد، بعد أن أتلفت الحرب والحرائق مساحات منها.
لكنه يقول إنه لن يتمكن من إطعام أولاده الثلاثة إذا ما ترك العمل أو ألحّ في السؤال عن مصدر المادة ومنطقتها ومن قام بإنتاجها.
وإذا كان ملف البيئة في سوريا من ضمن اهتمامات مهتمين ومختصين ومتضررين بشكل مباشر من القرويين، إلا أنه يغيب عن اهتمام السكان والرأي العام في الشارع السوري.
ويعمل “الزين” في الحطب والتفحيم منذ سنوات، ويمتلك محلاً آخر في منطقة المليحة، وثالثاً مع أخيه في اللاذقية.
وقال لنورث برس: “نملك أنا وأخي مخزن في اللاذقية ونرفد مخزن المليحة منه بشكل دوري”.
وأضاف أن توقف استجرار الحطب من الغوطة يعود لسببين “أولهما هو تقطيع الكمية الأكبر من الأشجار هناك، والثاني هو التدخل الروسي وتغير السياسات على الأرض”.
وأشار إلى أن الحطب في اللاذقية أكثر وأرخص من دمشق، فسكان كثيرون يعملون هناك في التحطيب. يقول مبتسماً: “حتى مبلغ رشوة الشرطة الحراجية في اللاذقية أقل من دمشق”.
ويتمكن البائع من استقدام شحنات الحطب من الساحل إلى دمشق، “إما بتغطية من تاجر كبير يريد شراء الكمية كاملة من مخزني، أو من خلال دفع الرشاوى والإتاوات على الحواجز”.
وينقل عن أخيه قوله: “في بداية الشتاء تكون شاحنات الحطب في طوابير طويلة على حواجز الطرق العامة، وتسعيرة المرور السريع متعارف عليها عند الجميع”.
وتعرض مخزن التاجر في سقبا للسرقة مرتين، كما أن قلة الكميات الواردة ما بين عامي 2014 و2016، جعلت العمل في محله بالمليحة يقتصر على بيع فحم الأراجيل.
“ورشات عساكر”
وبعد تسريح حسن أبو زيدان (30 عاماً)، الذي يعيش في منطقة الكسوة جنوب غرب دمشق، من خدمته العسكرية في الفرقة الرابعة، توجه للعمل مع جاره في تقطيع الحطب وبيع الفحم.
وقال إن راتبه بعد التسريح (70 ألف ليرة سورية) بالكاد يكفيه أجور مواصلات وثمناً للخبز.
وأضاف أن الحطب يأتي من مواقع مختلفة للقوات الحكومية تتوفر فيها أشجار.
ويستذكر “أبو زيدان”، الذي يعمل حالياً مع شريكه الذي تعرف عليه ضمن الفرقة الرابعة، تنقلهم من موقع لآخر، ليتمركزوا خلال العام 2018 في الغوطة.
“ورغم أن المنطقة كانت محررة حينها، اكتشفت أن الضابط لديه صفقة حطب”.
وروى أن شاحنة معبئة ببراميل المازوت ومجموعة كبيرة من المناشير الكهربائية وصلت حينها، ليستلم كل عنصرين منشاراً ويطلب من كل منهم تسليم شجرة يومياً.
وكانت الأشجار التي يقطعها نحو 85 عنصراً تنقل لمخازن البيع في مناطق بدمشق، بحسب العنصر المسرح الذي يتذكر “التقطيع من الحدود بين جرمانا والمليحة إلى كفر بطنا وحتى جسرين وسقبا”.
ورغم أن “أبو زيدان” يقول إنه لا يدري إلى متى استمر التحطيب، لأنه نُقل لاحقاً إلى الحدود مع لبنان، إلا أنه يعتقد أن “الحطب لم يعد يأتي من الغوطة، لا بسبب الحراسة الأمنية، بل لم يتبق هناك أشجار لقطعها”.
وبحسب شهادات واتهامات سابقة لسكان بريف حماة، فإن لضباط القوات الحكومية يداً في الحرائق التي أتت على الغابات والحراج في عدة مناطق سورية خلال العامين الماضيين.
عاملون مؤقتون
وفي السويداء جنوبي سوريا، ينطلق رائد الشوفي (25 عاماً)، وهو شاب تخرج حديثاً من كلية الهندسة المعمارية، صباح كل جمعة وسبت إلى الجبال المحيطة بقريته، لقطع أغصان الشجر الحراجي، وفي بعض الأحيان جذوع أشجار صغيرة.
ويعمل والدا الشاب موظفين لدى الحكومة، ولا يتجاوز دخلهما مجتمعاً 200 ألف ليرة شهرياً، ما دفع الشاب خلال دراسته الجامعية للعمل في تقديم الأراجيل في مقاهي ومطاعم العاصمة.
يقول “الشوفي” لنورث برس إنه يحصل على ما بين 20 كيلوغراماً و30 كيلوغراماً في كل رحلة، “وفي بعض الأحيان أحقق خمس رحلات خلال اليومين”.
وأضاف: “أقوم بشحن البضاعة كل شهر للعاصمة، وفي بعض الأحيان يمر التاجر لأخذها بسيارته، لكن الأحداث الأخيرة في المحافظة أجبرتني على السفر إلى العاصمة في كل موعد تسليم”.
وينقل الشاب الأغصان المحزمة على الدراجة النارية التي يملكها والده إلى “مفحمة” صغيرة خلف المنزل، ليقوم بالتفحيم كل أسبوعين، “ما يتركني مع 600 كيلوغرام، أي ما يقارب 320 ألف ليرة سورية كدخل شهري”.
لكن الكميات تتناقص يومياً، بحسب “الشوفي” وبالأخص قبل فصل الشتاء، فيضطر للخروج إلى أماكن أبعد وأكثر وعورة للحصول على الأغصان.
وفي الوقت الذي يعلل فيه عاملون في التقطيع الأمر باحياجاتهم، ومستخدمو الفحم باضطرارهم، تفرغ بساتين وجبال من أشجارها.
وقال مصطفى السهلي، وهو اسم مستعار لنازح من المليحة يعيش في حي بستان الدور بدمشق، إنه عندما زار منزله بعد موافقات أمنية معقدة، لم يرَ أي شجرة، “البيت المهدم لم يؤثر في كما أثرت صورة الأشجار المقطوعة من كعوبها”.
وأضاف: “بستان كامل، قطعت منه أشجار الزيتون والجوز والمشمش وحتى شجر الزينة وشجر السرو والصنوبر عن بكرة أبيها”.
وكان “السهلي”، وهو متزوج لديه ثلاثة أولاد، يعمل كسائق تكسي قبل النزوح، ولكن عمله الأساسي كان في هذا البستان.
يقول الآن: “المنزل يعاد ترميمه لا مشكلة، لكن كيف سنعيد ترميم 50 سنة من نمو الشجر!”.