حين يكون شكسبير وزيراً للإعلام الانكليزي

يعتقد مؤرخو الدراما أن الكاتب الإنكليزي وليم شكسبير كتب نحو 38 مسرحية خلال الفترة الممتدة بين عامي 1590 و1612، أهمها مسرحياته التراجيدية مثل “ماكبث” و”الملك لير” و”عطيل” و”هنري الخامس” و”يوليوس قيصر” و”هاملت”، ونلاحظ من خلال العناوين أن كتابات شكسبير تخصصت في الحديث عن الملوك وقادة الجيش وكبار قيادات الدولة مهملاً بشكل كامل وفي جميع أعماله أي حديث عن الشعب الإنكليزي أو أي شعب آخر.

في مسرحيته الشهيرة “ماكبث” يقدم شكسبير تبريراً للاحتلال الإنكليزي لاسكتلندا حيث تقول المسرحية أن ماكبث قتل عمه ملك اسكتلندا في مؤامرة مع زوجته، ثم بدأ حمام دم لحماية ملكه وعرشه، فيقتل أقرب أصدقائه وابن صديقه الطفل.

ويعاني الشعب الاسكتلندي من هذا الديكتاتور الكثير الكثر إلى أن ترسل بريطانيا عشرة آلاف جندي لتقضي على جيش ماكبث وتخلص الاسكتلنديين من حمام الدم الذي افتتحه هذا الديكتاتور ولم يتوقف إلا بالاحتلال الانكليزي للبلاد.

في هذه المسرحية تبرير واضح لاستعمار اسكتلندا، فكان شكسبير هنا وكأنه وزير للإعلام في الحكومة الانكليزية، مهمته تبرير احتلالها لبلد مجاور، والمصيبة أن النقاد وبانقياد غريب لم يقربوا من هذه الناحية، وتركزت دراساتهم على جوانب أعتقد أنها هامشية ولا تمس الجوهر الحقيقي للمسرحية أو المغزى الخفي بين سطورها.

فكانت الدراسات تذهب باتجاه أن المسرحية تبحث في قضايا الديكتاتور المتآمر، وأنه حين يبدأ بالدم فإنه لن يتوقف أو يتحدث البعض عن عقدة الذنب، فالملك ماكبث قتل عمه وقتل عائلة صديقه كما قتل أقرب أصدقائه، ويبدأ يرى هلوسات ذنبه.

أعتقد شخصياً أن شكسبير لم يكن يريد أن يقول كل ذلك، وإنما كان همه منصباً على تقديم التبريرات لاحتلال الانكليز لدولة جارة بحجة تخليصها من جنون ماكبث وديكتاتوريته.

في مسرحيته الأخرى “هنري الخامس” يقدم شكسبير أيضاً تبريراً وبشكل واضح للحرب الإنكليزية على فرنسا وهذه التبريرات واهية وغير مقنعة ويركز أكثر على الذل الفرنسي أمام الإباء الانكليزي، فملك فرنسا يبدو منذ بداية المسرحية ذليلاً وهزيلاً، فيما هنري الخامس في قمة غطرسته، هذه الغطرسة التي يمجدها شكسبير في مسرحية كدلالة على الفخر الانكليزي والشجاعة الانكليزية والقدرة على الانتصار في الحروب. عمل إعلامي واضح المقاصد والأهداف.

في مسرحيته الأخرى “يوليوس قيصر” تتركز الغاية من المسرحية حول مؤامرة يقوم بها عدد من قادة روما للغدر بالإمبراطور يوليوس قيصر ومن بين المتآمرين كان “بروتوس” الصديق الأقرب إلى يوليوس قيصر وربيبه تقريباً وفي هذه المسرحية تظهر العبارة الأشهر “حتى أنت يا بروتوس” كدلالة على الغدر والخيانة من أقرب الأصدقاء.

ولكن شكسبير يتجاهل غدر يوليوس قيصر بروما وبكل أصدقائه وبالديمقراطية الرومانية، كما يتجاهل أن قيصر نصب نفسه قيصراً ديكتاتورياً فوق مجلس الشيوخ وفوق القادة والأمراء وفوق الجميع مستغلا قيادته لجيوش روما للاستيلاء على الحكم، فيقدم لنا مشهد الاتفاق على التخلص من ديكتاتورية يوليوس قيصر من قبل القادة العسكرين وأعضاء مجلس الشيوخ على أنه ضرب من ضروب الخيانة والتآمر.

 وحتى مشهد القتل يقدمه لنا شكسبير كما لو أنه قمة الغدر من قبل الأصدقاء والمقربين متجاهلاً كما قلنا أن يوليوس قيصر خان الجميع بل إن الكاتب يتعاطف مع الديكتاتور في صياغته لمشهدي القتل والاتفاق على القتل حين يصورهما كرمز للخيانة والغدر.

هنا تتوضح أهداف شكسبير من كتابة هذه المسرحية إنه يمجد ديكتاتورية الملوك الإنكليز ويبررها ويتهم كل من يفكر في التمرد عليها بالخيانة والغدر.. ألا يبدو ذلك غريباً؟

ولكن النقاد أيضاً وبشكل يثير الريبة يتجهون للحديث عن المأساة والتراجيديا في تغاض واضح عن الهدف الرئيس للمسرحية ألا وهو تمجيد الديكتاتورية وتبريرها وتخوين كل ممن يتمرد عليها.

لو تابعنا تشريح مسرحيات شكسبير سياسياً سنكتشف أن جلّ ما قصدته هو تبرير للسيادة الإنكليزية وتمجيد لرجالاتها وملوكها، ولذلك نال شكسبير هذه الحظوة عند الملكة إليزابيت التي قربته من القصر وصار بمثابة وزير إعلام، وعلى هذا الأساس عملت الامبريالية البريطانية على تمجيد كاتبها وإبرازه تاريخياً، حتى ليقال أن عناوين الكتب التي تم إصدارها لدراسة أعمال شكسبير تعادل أسماء دليل هاتف، وهذا عدد من ضخم من الدراسات.

 غير أن الملاحظ فيها إهمالها للجوانب السياسية والمقاصد الخفية لتلك الأعمال، وإغفال ربما متعمد من البعض للدور الذي لعبه شكسبير في خدمة السياسة الاستعمارية لإنكلترا مع نهاية العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة .ومن هنا يمكن طرح السؤال التالي: هل يستحق شكسبير فعلاً كل هذه المكانة التي يحظى بها عبر التاريخ؟