تجاهل بايدن له دفعه للتقلب على نار الشوق

أردوغان يغير مواقفه أسرع مما يغير جواربه

يستمر الرئيس الأميركي جو بايدن في تجاهل نظيره التركي رجب طيب أردوغان، ويبدو أن هناك رغبة لدى واشنطن في إعادة تحجيم تركيا الأردوغانية وإعادتها إلى حدودها بعد أن تمادت إدارة أردوغان وتدخلت بشكل فاشل في معظم ملفات المنطقة، وكان أولها التدخل في الملف التونسي ثم المصري أثناء حكم الإخوان تلاه التدخل في الملف السوري والليبي وكذلك لعبت أنقرة دوراً محورياً في النزاع الأذربيجاني– الأرمني لصلح الأذريين.

فلقد تجاهل بايدن نظيره التركي ورفض اللقاء به على هامش مشاركة كل منهما في اجتماعات الأمم المتحدة بالرغم من أن بايدن عقد مجموعة من اللقاءات من زعماء آخرين، ولكنه رفض لقاء أردوغان رغم محاولات الأخير الحثيثة والمتكررة لعقد لقاء مع بايدن.

 ويرجع بعض المحللين ومنهم معارضون أتراك موقف الرئيس بايدن إلى قناعته بأن أردوغان يأخذ حجماً أكبر من حجمه الحقيقي ويفرض نفسه على الكثير من القضايا التي لا ينبغي على تركيا الخوص فيها أو التدخل بها.

 وهذه ليست المرة الأولى التي يتجاهل فيها بايدن نظيره التركي، فمنذ إعلان فوز بايدن بالانتخابات الرئاسية الأميركية أرسل له أردوغان خطاب مباركة لكن بايدن تجاهل الخطاب كلياً ولم يرد عليه، وكذلك أجرى بايدن بعد انتخابه عدداً من الاتصالات مع زعماء المنطقة وتجاهل الاتصال بأردوغان.

 وفي الديبلوماسية تحمل الاتصالات والرسائل والرد عليها أهمية خاصة، إذ تعكس نظرة الدول فيما بينها ولبعضها البعض، ويبدو واضحاً أن واشنطن لا تملك الرغبة في التفاوض المباشر مع أردوغان تاركة ذلك لوزير خارجيتها بلينكن، ما يعكس بشكل واضج غضباً أميركياً على سياسات أردوغان وتدخلاته في اليونان وقبرص وسوريا وليبيا وغيرها من ملفات المنطقة.

رد فعل أردوغان على التجاهل الأمريكي جاء عنيفاً، حيث اتهم واشنطن بأنها تزود “الفصائل الإرهابية” بالسلاح والمال وتحمي تلك الفصائل في إشارة واضحة إلى الفصائل الكردية وخاصة “قسد”، إضافة إلى تمسكه بصفقة الصواريخ الروسية إس 400 وتلميحه إلى إمكانية الاستعاضة عن صفقة طائرات إف 35 الأمريكية بصفقة طائرات روسية.

 وقد يظن البعض أن أردوغان ينتفض هنا متمرداً على الإدارة الأمريكية وعلى تجاهلها، ولكن الحقائق تقول بأن هذه التصريحات إنما تدل على يأس أردوغاني واضح من احتمالية عودة المياه إلى مجاريها بين أنقرة وواشنطن وأن المياه لن تعود إلى مجاريها بين البلدين على الأقل في المدى المنظور.

 كما أن أردوغان يحاول عبر هذه تصريحاته الأخيرة بخصوص تسليح واشنطن لفصائل إرهابية ترميم شعبيته التي تتراجع بشكل ملحوظ مع تنامي الأصوات المعارضة له ولحزبه (حزب العدالة والتنمية)، خاصة وأن الوضع الاقتصادي التركي يشهد تردياً واضحاً مع انخفاض واضح وملحوظ لليرة التركية أمام الدولار الأمريكي لم تشهده منذ سنوات طويلة، إضافة إلى فشل إدارة أردوغان في ملف التصدي لجائحة كورونا، إذ تسجل وزارة الصحة أعداداً متزايدة في أعداد الإصابات والوفيات على الرغم من إعلان الإعلام الأردوغاني عن توصل الخبراء الأتراك إلى اختراع منافس للأكسجين بإمكانه إنقاذ المصابين، ثم تبين بأن هذا الإعلان لم يكن إلا كذبة كبيرة المقصود منها تلميع صورة أردوغان وإعادة شعبيته المتدهورة.

 ولقد أثار تجاهل بايدن لنظيره أردوغان حفيظة وغضب المعارضة التركية حيث انتقد زعيم حزب الشعب التركي (أحد أكبر أحزاب المعارضة التركية)، فائق أوزتراق، أول أمس، تناقضات أردوغان إزاء مواقفه من واشنطن في غضون ثلاثة أيام، فبعد أن مدح أردوغان علاقاته مع جو بايدن في 21 سبتمبر/أيلول الجاري، تغير موقفه  منذ أيام وهاجم الولايات المتحدة.

 وأضاف أوتزراق أن أردوغان قال قبل يومين أمام مجلس الأعمال التركي في الولايات المتحدة بأن الرئيس بايدن صديق عزيز وبأن بينهما إرادة مشتركة، وأضاف زعيم حزب الشعب المعارض: (على ما يبدو، عندما التقى بايدن برئيس الوزراء العراقي ورئيس الوزراء الأسترالي ورئيس الوزراء البريطاني، ولم يلتق بأردوغان؛ (غضب الأخير، وبدّل تصريحاته عقب العودة لتركيا).

وتابع المعارض التركي موجهاً حديثه لأردوغان  (يا سيد احمِ المصالح الاستراتيجية لبلدنا. اجمع أموال طائرات (إف 35) التي لم نستطع الحصول عليها من الولايات المتحدة؛ 1.4 مليار دولار ليس بالقليل من المال اليوم).

تقلبات أردوغان إزاء واشنطن وإزاء غيرها من العواصم وكذلك تقلباته حيال الكثير من الملفات التي حشرت تركيا نفسها فيها لن تتوقف، وسوف يبقى أردوغان على تقلبه على أكثر من وجه إلى حين إعلان سقوطه المدوي قريباً والذي ينتظره الجميع بفارغ الصبر كما انتظر العالم التخلص من رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.