دمشق- نورث برس
تحت عنوان “دور المجتمع المدني في أزمة الثقة مع الحكومة”, أقامت حركة البناء الوطني المرخصة من الحكومة ندوة حوارية في صالونها الثقافي بدمشق، حضرها عدد من المثقفين والكُتَّاب والمهتمين بالشأن المدني.
ودارت خلال الندوة التي حضرتها نورث برس قبل يومين، حوارات ونقاشات متنوعة, وتعددت الآراء وتباينت، بدءاً من مفهوم المجتمع المدني كدور ومضمون ووظيفة, وصولاً إلى قابلية المجتمع السوري, كمجتمع يغلب عليه الطابع الأهلي والمناطقي, لتقبل دور منظمات مستقلة عابرة لتلك الحدود الأهلية والثقافية, ثم إلى الهامش المسموح والمتاح سياسياً في الفضاء السوري, وفي بلد محكوم لفترات طويلة بالشمولية يقوده الحزب الواحد والرأي الواحد.
وافتتح مدير الندوة أنس جودي الحديث حول رؤية الحركة لدور المجتمع المدني. والذي من الممكن أن يكون وسيطاً بين المجتمع والحكومة, ودوره في صناعة التوافق من خلال تهيئة البنية المناسبة لمنع قيام النزاعات, وحالة تشاركية بين مختلف الأطراف, وصولاً إلى منع انزلاق الخلافات الثقافية والمجتمعية إلى خلافات سياسية انفجارية, كما حصل عام 2011, وفق آليات تفكير قديمة.
محاولات بعيدة
وأشار “جودي” إلى أن “المحاولات الحكومية لم تزل بعيدة عن إشراك الجميع, ما يزيد في تعميق الأزمة وتفاقمها, فالمطلوب مشاركة بالصياغة والتنفيذ والرقابة”.
واعتبر أن وجود مساحة كافية للتحرك، “هو ضرورة وحاجة, للعمل بين الفعاليات السورية المختلفة, للوصول إلى قواسم مشتركة”.
وأشار إلى أن هذا “لا يزاحم قوى المجتمع المحلية من الوجهاء وسلبهم دورهم الاجتماعي والتاريخي”.
وعلى هامش الندوة، رأى أحد الحضور، وهو باحث في الشأن الاجتماعي, أن “مجتمعنا لم يزل غريباً عن هذه المنظمات والجمعيات ولا يتقبلها, وهناك صعوبة بالغة في اختراق المجتمعات المحلية, وجعلها تتقبل تلك النشاطات”.
وأشار إلى أن المجتمع كان يركن إلى فترات زمنية طويلة “للعرف والسائد”, عبر “هيكليات أهلية ومحلية, بنيت على الوجهاء وأصحاب الرأي والحل والعقد, وعلى قادة محليين اكتسبوا أدوارهم عبر بنى اجتماعية تقوم على رابطة الدم والعشيرة والمنطقة. وربما الطائفة”.
فيما أشار آخر إلى أن “علينا البحث والاشتغال في الفضاء السياسي, لخلق مساحة متاحة وممكنة لبنى ومنظمات وهيكليات مجتمع مدني”.
وحسب رؤيته، فإن المجتمع المدني يشكل نهاية مطاف في العمل المجتمعي والمدني, بعد أن يكون قد حاز على هامش مساعد من مساحة الحرية والديمقراطية.
“نتاج الليبرالية”
بينما أصر الكاتب مازن بلال على أن المجتمع المدني هو نتاج المرحلة الليبرالية, وهو ناتج طبيعي لتطور سياق المجتمع الليبرالي, ما يقلل من فرص نجاحه في مجتمعنا المحكوم والممسوك ببنى اجتماعية وقبلية ودينية وسياسية شمولية.
وطالب “بلال” بضرورة فسح المجال لقوى المجتمع المدني بأن تصل إلى غاياتها، “دون أن يكون هناك خوف من قبل السلطات من دور هذه القوى, فلابد أن يحصل تلاقٍ في نقطة ما, بين القوى المدنية والحكومية”.
بينما ألمح آخر، يتحدر من السويداء, إلى ضرورة إشباع المجتمع السوري العام بالمجتمعات المحلية, وليس احتواء تلك المجتمعات بثقافاتها واختلافاتها وتنوعها, باللون الواحد والشعار الواحد، وطريقة التفكير الواحدة.
بعد ذلك طرح أحد الحضور ضرورة ضبط مصطلح العمل المدني ومفهوم المجتمع المدني, ورؤيته عبر المساحة المستقلة التي يقتضيها العمل المدني من الاستقلال التام عن الحكومة وعن المال السياسي وأصحاب الشركات والنفوذ.
وأشار إلى الصيغ الهيكلية في الأمم المتحدة لهامش العمل المدني، والمؤسسات التي “ترعى وتقوم بدعم النشاط المدني في مختلف أنحاء العالم، وليس في سوريا وحسب”.
وأضاف: “يحدث هذا الأمر خلال الحروب والكوارث, حيث تتضاعف الحاجة للعمل المدني, نتيجة الاحتياجات الكبيرة لمواجهة النتائج الناجمة عن الحروب والكوارث, وخاصة في لحظات تقلص الدور الحكومي لسبب أو لآخر”.
ونبه إلى أن ” المجتمع المدني يعمل أيضاً على المساعدة في خلق ومراقبة العمل السياسي، وتهيئة الظروف الأنسب للعمل السياسي”.
وفي إطار الاختلافات السورية في الرؤى والتوجهات والمرجعيات، اتهم أحد المداخلين منظمات المجتمع المدني بـ”العمالة, وبتابعيتها المشبوهة, ومحاولاتها فكفكة عرى البنيان الاجتماعي السوري, من خلال الأموال والأغراض المشبوهة. وهذا ما تعمل عليه قوى تآمرية للنيل من مجتمعاتنا ودولنا”.
وقد دار حوار طويل حول هذه النقطة, التي عارضها العدد الأكبر, مشيرين إلى أنه لا يمكن العودة إلى احتواء المجتمع السوري, وإلزامه بثقافة واحدة ورأي سياسي واحد.
وأشار أحد المتحدثين إلى أن المجتمع المدني ليس قصراً على سوريا, حتى نأخذه بجريرة المؤامرة, فهو نشاط, يتوزع على مساحة الكرة الأرضية, وينتشر في الدول المتطورة والنامية.