القامشلي ـ نورث برس
ألّف الباحث السوري منار الطويل من الرقة، كتاب “الرقة وشعراؤها في العصر العباسي” بعدد صفحات بلغت 427. وهو الطبعة الأولى من منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2010.
وكان الكتاب قبل ذلك عبارة عن أطروحة دكتوراه، قضى الباحث “الطويل” في تأليفها سنوات من عمره، وبعد إنجازها، وقبل أن ينال درجتها، وافته المنية.
يقول الباحث “خالد زغريب” في تقديمه للكتاب: إن له 6 أبواب تفتح على حكاية دمعة تكبر يوماً بعد يوم، وهي تتدحرج كرة لامعة على ذاكرة الزمن في جرس كل كلمة صاغها الكاتب بين سوريا وإيران وفرنسا. حكاية بحث أعدَّه الراحل مناور الطويل لنيل درجة الدكتوراه، وبعد أن أنجزه، وأتم إجراءات التقدم للمناقشة والتحكيم، عاد إلى عمله في باريس على أمل أن يعود إلى وطنه قبل موعد المناقشة بيومين.. وعاد فعلاً.. لكن لكفن.
وأشار “زغريب” أن الراحل “الطويل” قد أجاد التقاط صدى الفرات في حروف شعراء الرقة؛ لأن كلماته كانت صدى وجدانه الذي صاغته الغربة بأصابع جراحها.
قسَّم الراحل كتابه هذا إلى قسمين. أما الأول، فهو في الشعر الذي قيل في الرقة صراحةً، وكانت الرقة موضوعه، وهو الشعر الذي قاله الشعراء الوافدين على الرقة من غير أبنائها، كالشاعر “الصنوبري” الذي كتب قصائد حمل فيها ذكرياته عندما كان في الرقة. كما كتب ربيعة الرقي قصيدة مدح فيها مدينة الرقة الجميلة:
حبذا الرقة داراً وبلدْ بلد ساكنه ممن تودْ
ما رأينا بلدة تعدِلها لا، ولا أخبرنا عنها أحدْ
إنها برية بحرية سورها بحر وسور في الجددْ
وأيضاً، الشاعرة أم جعفر (عُليّة)، وهي أخت هارون الرشيد، وقد طلب منها مرافقته إلى الرقة فرافقته. وفيما كانت بمرج الرقة أحست بالغربة، واشتاقت إلى بغداد. فكتبت قصيتها:
ومغترب بالمرج يبكي لشجوه وقد غاب عنه المسعدون على الحب
إذا ما أتاه الرَّكب من نحو أرضه تنشَّق يستشفي برائحة الركب
أما القسم الثاني من الكتاب، فهو في الشعر الذي قاله الرقيون، أي أبناء الرقة، وهو قليل على الرغم من كثرتهم، وذلك بسبب جلِّ ما قالوه. ومنهم: إبراهيم بن أحمد بن محمد معالي الرقي، والحسن بن محمد الرقي، وربيعة الرقي.
ومن الشعر الوارد في القسم الثاني:
حمامة بلغي عني سلاما حبيباً لا أطيق له كلاما
وقولي للتي غضِبت علينا: علام، وفيما يا سكني علاما؟
أفي هجران بينك تصرميني وما رمنا لصرمكم صِراما؟
وذكر الراحل في كتابه أيضاً، الرقة من حيث اللغة، وطبيعتها الجغرافية والتاريخية، والطبيعة الفنية لشعر الرقة.
فالرقة، لغةً، هي كل أرض إلى جنب وادٍ ينبسط عليها الماء أيام المدّ، ثم ينحسر عنها الماء فتكون مكرُمة للنبات، والجمع رقاق، كما يقول ابن منظور في “لسان العرب”. وسميت الرقة بهذا الاسم، لأنها على شاطئ الفرات، وكل أرض تكون على الشط ملساء مستوية، فهي رَقَّة، كما جاء في كتاب “فقه اللغة” للثعالبي.
والرقة، مدينة معروفة منذ القدم، بناها الإسكندر المقدوني على شاطئ الفرات، وسماها نيقوفوريوم، وقد اكتسبت أهميتها من وجودها على حافة البادية والجزيرة السورية، إلا أنها لم تشهد نشاطاً بشرياً يؤهلها للشهرة في العالم القديم، وبقيت مدينة صغيرة حتى جاء الفتح الإسلامي، كما يقول “مناور الطويل” في هذا الكتاب.
ويضيف: انتبه هشام بن عبد الملك إلى أهمية الرقة كموقع تجاري، فبنى فيها قصوراً، وأجرى فيها أنهاراً، وبنى فيها سوقاً عرف فيما بعد بسوق هشام العتيق، وعندما استوطنها الخليفة العباسي هارون الرشيد أخذت تتأهل لكي تصبح عاصمة الدولة.
ويذكر الباحث “زغريب” أن الراحل “مناور الطويل” كان يمتلك روح الباحث الأصيل التي مكَّنته من الغوص في الكشف والبحث. وإذا كان الزمان لم يتح للراحل أن يقدم أطروحته الجامعية (هذا الكتاب) وينال درجتها، فالواجب يقتضي عرض الرسالة، أما الآن فقد تجاوز الدنيا وطواه الزمن، فلم يبق منه إلا ذكراه، وذكرى ما أنجزه في حياته.