خطورة استغلال تركيا للاجئين الأفغان

فؤاد حميرة

بلغت أعداد اللاجئين الأفغان إلى تركيا نحو 500 ألف لاجئ بينهم ثلاثمائة ألف شاب تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً وذلك وفقاً لتقارير أممية رسمية ما يعني أن أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فرصة جديدة للاستثمار في قضايا اللاجئين التي اعتاد الاستثمار فيها منذ بدء تدفق اللاجئين السوريين إلى تركيا مع بداية الحرب السورية في العام 2011.

حيث استطاع أردوغان ومن خلفه أركان حكمه استغلال ورقة اللاجئين على النحو الذي يخدم مصالحه ومصالح تركيا ولا ننسى الدور الذي لعبه ومخابراته في تحويل الكثير من الشبان السوريين اللاجئين إلى مرتزقة قاتلوا معه في سوريا وليبيا وكازاخستان. وعليه فإن الأرقام السابقة ينبغي ألا تمر على الباحثين والمعنيين مرور الكرام.

منذ العام 2011 بدأ أردوغان بالتأسيس لفصائل من المقاتلين السوريين كان هدفها الأساس ضرب السوريين بعضهم ببعض حيث استخدم فصائله تلك في محاربة الفصائل الكردية في الشمال السوري والشمال الشرقي كما أسهم هؤلاء بقوة في احتلال عفرين وغيرها من المناطق بذريعة تحريرها، ولكن تحريرها ممن؟ من أهلها طبعا الذين هجرهم مقاتلو تلك الفصائل واستولوا على بيوتهم وأراضيهم وأرزاقهم. ولم يقف الأمر عند حدود استغلال الفصائل السورية للقتال في سوريا بحجة إسقاط النظام بل تعداه إلى تشكيل فصائل من المرتزقة السوريين الذين ذهبوا للقتال في ليبيا إلى جانب القوات التركية ما شكل بحد ذاته وصمة عار في جبين الثورة السورية مع تحول أفرادها من مقاتلين في سبيل الحرية إلى مقاتلين في سبيل الدولار وكل ذلك بسبب سياسات أردوغان ورغبته في تحويل المقاتلين السوريين إلى مجرد مرتزقة يشكلون قوة رديفة للقوات التركية أو قوة يستطيع الأتراك إدخالها إلى مناطق ممنوعة على الجيش التركي وفقاً لقوانين مجلس الأمن والأمم المتحدة، إذ يكتفي في القيادة من الخلف دافعاً بالسوريين إلى مزيد من تشويه السمعة والتحول إلى مجرد قتلة مأجورين. وحدث الأمر ذاته في الحرب الأذربيجانية – الأرمينية حيث شكلت تلك الفصائل السورية المقاتلة قوة دعم رئيسية في تحقيق النصر الكازاخي السريع على الجيش الأرميني.

الوجود الأفغاني في تركيا ليس حديث العهد فلقد رأيت الكثير من الأفغان في منطقة يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية وأولئك الأفغان يمتلكون البيوت والعقارات ولقد استأجرت خلال وجودي في اسطنبول البيوت مرتين من مالكين أفغان ما يعني أن حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان لم يكن في يوم من الأيام ببعيد عن التفكير في القضية الأفغانية وإمكانية استثمار الظروف لتحقيق أفضل استغلال للاجئين الأفغان أسوة بغيرهم من اللاجئين.

300 ألف شاب جديد من أبناء اللاجئين الأفغان يدخلون الحدود التركية منذ – وقبل – سقوط كابل بيد طالبان ولا أعتقد أن أردوغان وأركان حكمه سيدعون الأمر دون اقتناص الفرصة وجل ما يمكن خشيته تشكيل فصائل عسكرية أفغانية (على غرار السورية) للقتال في سوريا وتحديداً ضد قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي سوريا وهذا الأمر ليس مستبعداً كما يظن البعض بل هو في صميم تفكير أردوغان وأعوانه الذين تمرسوا على انتهاز حاجات اللاجئين والاستثمار في معاناتهم بغية تحقيق مصالح خاصة وكذلك مصالح تركيا في المنطقة.

وقد يتبادر إلى الذهن سؤال من نوع (لماذا يستبدل أردوغان الفصائل السورية بأخرى أفغانية؟) وهذا السؤال يبدو محقاً لكن الإجابة عليه ليست صعبة، ذلك أن المعلومات تفيد بتسرب أعداد كبيرة من الشبان السوريين وهروبهم إلى أوروبا عبر السواحل والموانئ التركية أو عبر الحدود مع بلغاريا ولم تستطع المخابرات التركية وقف ذلك النزيف في العناصر الشابة من المقاتلين السوريين أو أنهم (وهذا ما أرجحه) اكتشف الأتراك أن الاستثمار بالمقاتلين السوريين لم يعد مجزياً خاصة وأن رواتبهم التي وعدوا بها كانت مرتفعة (2000 دولار لكل مقاتل) وبالتالي فإن البدء بالتأسيس لشبان جدد هم في أشد الحاجة للعمل ولمصدر رزق سوف يكون أقل تكلفة خاصة وأن معظم اللاجئين جربوا الحروب وتمرسوا فيها.

لا يتوقف استثمار أنقرة لللاجئين عند حدود القتال والعسكرة بل يتجاوزه إلى استخدامهم كورقة ضغط على أوروبا عند كل سانحة وكلما احتاج ورقة اللاجئين عبر التهديد بدفعهم إلى الهجرة غير الشرعية من تركيا إلى البلدان الأوروبية التي أتخمت سابقا باللاجئين وبالتالي لم تعد قادرة على استيعاب المزيد من المهاجرين. ولربما استخدمت تركيا هذه الورقة في مساومات مع الأوروبيين والأميركيين لدخول مناطق الكرد في شمال شرقي سوريا فيكون التهديد إما السماح بإنهاء ظاهرة الإدارة المحلية في شمال شرقي سوريا أو السماح للاجئين بركوب البحر وصولاً إلى بلدان أوروبا كافة.