دمشق- نورث برس
أثار احتواء زيت بذور القطن المنتج محلياً، والذي يوزع في صالات السورية للتجارة، على مادة سامة، جدلاً واستياءً لدى سكان وأخصائيين في دمشق، فيما تباينت تصريحات مسؤولين حوله بين عدم معرفتهم بالموضوع وإنكاره.
وقالت فاطمة عز الدين (٣٦ عاماً)، وهي أخصائية تغذية تعيش في دمشق، إن الزيوت التي تم طرحها في شباط/فبراير الماضي في الأسواق، “غير صحية ولا تصلح للاستهلاك البشري.”
وأضافت لنورث برس أنه بعد تحليل الزيت، تبين لهم أن الزيوت تحوي مركب “الجوسيبول” السام.
وأشارت أخصائية التغذية إلى أنهم أرسلوا بشكل مباشر كتاباً إلى وزير التجارة الداخلية السابق “طلال البرازي” في الحادي والعشرين من شباط/فبراير الماضي، بينَوا خلاله درجة السمية العالية لهذه المادة.
وقالت إنها تفاءلت في البداية عند توجيهه أمراً مباشراً بعقد اجتماع لدراسة الأمر، “وشرحنا خلال اجتماع في السادس والعشرين من نسيان/أبريل مدى تأثير هذا المركب السام على الكبد والجنين والصحة بشكل عام”.
المواصفات المتعلقة بالأعلاف تحتوي شرط معايرة “الجوسيبول” فيها، لكن وللمفارقة فإن هذا الشرط غير وموجود في المواصفات المعتمدة للزيوت الصادرة عام 2019، وفقاً للأخصائية.
وبحسب “عز الدين”، فقد ذهب الاجتماع الذي تغيبت عنه هيئة المواصفات وغرفة التجارة حينها، “أدراج الرياح بعد تغيير الوزير، لنتفاجأ منذ أيام بإعادة طرح هذه المادة في الأسواق بدون حسيب أو رقيب”.
ويذكر أن لهذا المركب “الجوسيبول” دور “كمبيد حشري” في جميع أقسام نبتة القطن.
انتظار وخسارة
وقالت هناء رزق (٣٨ عاماً)، وهي من سكان بلدة جديدة عرطوز بريف دمشق، إنها اشترت هذا الزيت بعد انتظار طويل لوصول الرسالة، مع انتظار آخر في طابور الاستلام.
وأضافت: “عند عودتي للمنزل منذ أيام، قرأت على صفحات التواصل عن هذه القضية وتفاجأت، رغم أنني متابعة للأخبار بشكل يومي، فهذه القضية عمرها تجاوز ثمانية أشهر”.
وفي تصريح لوزير التجارة الداخلية الجديد، عمرو سالم، لجريدة الوطن شبه الرسمية، قال إنه لا يعرف بهذا الموضوع لا من ناحية الدراسة ولا حتى الاجتماعات التي تداولته.
تقول “رزق” إنها رمت ما قيمته 15 ألف ليرة من الزيت في القمامة، بعد معرفتها بموضوع سميته.
حالات تسمم
يذكر حسن عبد الرحمن (45 عاماً)، وهو طبيب داخلية مقيم في مشفى المواساة، أن حالات تسمم كثيرة دخلت إلى المشفى، أهم أعرضها هو انتفاخ اللسان وتضرر الكبد.
ويشير إلى أنه تواصل مع رئيس قسم الهضمية في مشفى المواساة بخصوص الموضوع، وإذا ما كان له علاقة بزيت بذور القطن؟
“لكنه اكتفى بالتعليق بأن المطاعم تشتري منذ سنين زيوت بذور القطن التي يكون لونها مائلاً للاحمرار”.
وبحسب “عبد الرحمن”، فإن الأسواق السورية امتلأت بالمواد المغشوشة، من العسل الذي يباع على الطرقات بمرطبانات ليست صحية، والبهارات المخلوطة بنشارة الخشب أو الحمص المطحون والفلافل المقلية بزيت القطن والمخلوط بالخبز.
ومطلع الأسبوع الماضي، تم ضبط عدة معامل تقوم بخلط الأعلاف ضمن قوالب “الكيك”، وغش الحليب بالماء والدسم النباتية وكل مكوناته من الألبان والأجبان والقشطة.
ونفى مدير عام السورية للتجارة أحمد نجم، في تصريح لتلفزيون الخبر، الأسبوع الماضي، موضوع سمّية الزيت وحدوث حالات التسمم بسببها.
وقال إن الزيت يخضع للفحوصات والتحاليل خلال إنتاجه في معامل حلب وحماه وحمص.
فيما قال مدير زيوت حماه عبد المجيد قلقة، للقناة نفسها، إن مادة “الجوسيبول” تستخلص بصورة أساسية من نبات القطن وبذوره، وهي مادة تتفكك بالحرارة المرتفعة التي تصل لمئة درجة مئوية، أثناء عملية إنتاجه في المعامل.
وأضاف أن “الزيت مطابق للمواصفات السورية، ولم يردنا أي حالة تسمم سببها تناول الزيت، وهو زيت أرخص من الزيوت الأخرى بنسبة 30 لـ 40 بالمائة”.
ومطلع العام 2020 ارتفع سعر الزيت من ألف ليرة سورية إلى خمسة آلاف ليرة 2021، ليصل اليوم إلى سعر يتراوح بين ال 8500 ليرة وعشرة آلاف أحياناً.
وأواسط هذا الشهر، أشار محققون للأمم المتحدة إلى “التدهور السريع” في الاقتصاد السوري، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الخبز وتزايد ملحوظ في انعدام الأمن الغذائي بنسبة تزيد عن 50 في المائة مقارنة بالعام الماضي.
وأضاف تقرير لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا إن “الوضع العام يبدو في سوريا قاتماً بشكل متزايد”.
من تحت الطاولة
وقال ناصر زيدان (51 عاماً)، وهو اسم مستعار لموظف في السورية للتجارة منذ 25 عاماً ومن سكان بلدة قدسيا بريف دمشق: “تبلغ مخصصات العائلة الواحدة من الزيت لترين شهرياً، ولا يدخل في نظام الرسائل، حيث يتم شراؤه مباشرة إذا كان متوفراً في الصالات، كما أن سعره غير ثابت”.
ويضيف “زيدان” أن “الزيت يتم تسليمه لكل فروع المؤسسة على أساس أوراق رسمية وكشوفات وتدقيق، ولكن عندما نعود إلى المؤسسة في اليوم التالي بعد استلامها للكميات، نعلم بأن الشحنة تمت سرقتها”.
فهناك علاقة وطيدة بين التجار الكبار والمؤسسة، بحسب الموظف.
“والمؤسسة دائماً ما تتأخر بعرض بضاعتها، للمستهلكين ليستفيد التجار حتى يصرّفوا بضاعتهم بأسعار تناسبهم”.