الشدادي- نورث برس
تروي روضة (15 عاماً)، وهي من سكان بلدة الشدادي جنوب الحسكة، شمال شرقي سوريا، بألم قصة زواجها المبكر الذي لم يدم لأكثر من عام واحد، بعد أن أقنعها أهلها بأن “الزواج سترة للفتاة”، لتعود إليهم مطلقة وهي لاتزال بسن الطفولة.
وتزوجت الفتاة، التي طلبت عدم نشر اسم عائلتها، قبل عام من شاب في السادسة عشر من عمره نزولاً عند رغبة والديها، “لم أكن أعرف حينها شيئاً عن الزواج سوى أن العروس ترتدي فستانا أبيض وتذهب إلى بيت زوجها”.
وتقول إنها اضطرت لإجهاض جنينها قبيل الطلاق، لأن جسمها لم يتحمل تبعات الحمل مع المشكلات الكثيرة التي حصلت بينها وبين زوجها.
انتشار في الريف
وازدادت ظاهرة زواج القاصرات في ريف الحسكة الجنوبي، بسبب هيمنة العادات والتقاليد العشائرية وكإحدى تبعات الحرب والظروف الاقتصادية المتردية.
ووثّقت منظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة، العاملة في شمال شرقي سوريا، 82 حالة لزواج القاصرات خلال عام 2019 والنصف الأول من العام 2020، في عموم الحسكة.
هذا الرقم وإن بدا أقل من مثيلاته في باقي مناطق سوريا، لكنه لا يحصي جميع الحالات، بسبب التكتم عليها في بعض المناطق، وهو ما أكدته عتاب محمد، الإدارية في دار المرأة في الشدادي.
وقالت “محمد” إن ظاهرة زواج القاصرات تزداد في البلدة وريفها، “لكننا لا نملك إحصائيات دقيقة، بسبب تكتم العائلات على موضوع على تزويج القاصرات وحتى عند حدوث حالات الطلاق”.
وارتفعت نسبة الزواج المبكر في عموم سورية من 13 بالمائة إلى 46 بالمائة من عدد الزيجات خلال فترة الحرب في البلاد، بحسب برنامج مناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي في صندوق الأمم المتحدة للسكان.
وقالت آرزو تمو، وهي المسؤولة عن لجنة شؤون المُعنفات في منظمة سارا، لمنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ ظاهرة زواج القاصرات تنتشر في أرياف وقرى محافظة الحسكة بشكل أكبر من انتشارها في مراكز المدن.
وتشهد المناطق الريفية، لاسيما العشائرية منها، تكتماً فيما يتعلق بمواضيع اجتماعية معينة، بالإضافة لخشية العائلات من محاسبتها من جهة مؤسسات الإدارة الذاتية التي تمنع قوانينها زواج القاصرات.
غياب الوعي المجتمعي
ويرجع سبب ازدياد الحالات، بحسب الإدارية في دار المرأة في الشدادي، للعادات والتقاليد وغياب الوعي لدى المجتمع، وتردي الوضع الاقتصادي في المنطقة.
وتحاول الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، منع هذه الظاهرة في أماكن سيطرتها، وأصدرت قانوناً في العام 2014 منعت فيه الزواج دون سن الثامنة عشرة.
لكن أغلب عمليات تزويج القاصرات تتم عن طريق الكتّاب ورجال دين، ويتم تثبيته في محاكم تابعة للحكومة السورية التي لا يمنع قانونها زواج القاصرات، بحسب ناشطات في مجال حقوق المرأة.
وتنص المادة الأولى من قانون العقوبات السوري على أنه يُعاقب بالغرامة من 25 ألفاً إلى 50 ألف ليرة سورية كل من يعقد زواج قاصر خارج المحكمة المختصة إذا تم عقد الزواج بموافقة الولي.
وهو ما يعني أنه لا يمنع زواج القاصرات في المحاكم إذا وافق القاضي.
مشاكل نفسية واجتماعية
وتتسبب الظاهرة بالكثير من المشاكل الاجتماعية والنفسية بالنسبة للفتيات، وتدوم تبعاتها عليهم مدى الحياة، كما تُعتبر من أهم الأسباب المؤدية لارتفاع معدلات الطلاق، كنتيجة لعدم قدرة الزوجين على فهم مؤسسة الزواج بسبب صغر سنهما، بحسب منظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة.
فادية الرشيد، وهو اسم مستعار من ريف الشدادي، خاضت تجربة الزواج المبكر وهي لم تكمل 16 عاماً، بسبب غياب الوعي لدى أهلها وتردي وضعهم الاقتصادي، بحسب قولها.
وكانت “الرشيد” تظن أن الزواج سيسعدها ويحسن من وضعها السابق، “لكنني فوجئت بأن الزواج مسؤولية كبيرة وأني لا أعرف شيئاً عن الحقوق والواجبات الأسرية”.
وأشارت إلى أنها تعرضت في بداية زواجها لمشكلات مع الزوج، بالإضافة لأخرى صحية بسبب الحمل والإنجاب، الذي كاد أن يودي بحياتها، بعد عملية إجهاض لعدم تحمل بنية جسدها ووعيها تبعات الحمل وهي لا تتجاوز 16 عاماً.
وأضافت “الرشيد” أنها حُرمت من إكمال تعليمها، فهي وقعت “ضحية” بحسب تعبيرها للعادات باسم “النصيب”.
وتشير الإدارية في دار المرأة في الشدادي، إلى أن زواج القاصرات له تأثيرات سلبية كثيرة، منها حرمان الفتاة من عيش مرحلة الطفولة والتعليم وفرض مسؤوليات كبيرة عليها في سن المراهقة.
وتضيف بأن العائلات تبرر زواج القاصرات بصعوبة وتردي الوضع الاقتصادي، متجاهلين حالات الطلاق التي قد تحدث لأولادهم وتبعاته مستقبلاً.