قراءة في قانون الأحزاب في سوريا

لقد حرمت سوريا على مدى نحو ستة عقود من الحياة السياسية الطبيعية، هيمن خلالها على السلطة حزب البعث، وجبهته الوطنية التقدمية. غير أن تمرد السوريين عليها في آذار من عام 2011 دفعها للقيام ببعض الإجراءات في محاولة منها للحد من تصاعد مد الحراك الشعبي ضدها ومنها إصدار قانون للأحزاب ينظم الحياة السياسية في البلد.

يقع القانون في نحو ثمان وثلاثين مادة، ينص في مادته الثانية على حق مواطني الجمهوري العربية السورية بتأليف الأحزاب السياسية، والانتساب إليها. وحدد في مادته الثالثة الهدف بأنه تنظيم وتمثيل السوريين سياسيا، وتنمية الوعي السياسي، وتكوين قيادات قادرة على تحمل المسؤولية العامة. وتبقى غاية أي حزب هي الوصول إلى السلطة وفقا لقانون الانتخابات العامة(المادة الرابعة).

في “المادة الخامسة” يحدد القانون شروط، ومبادئ تشكيل الأحزاب السياسية. في الفقرة ألف منها ينص القانون على ضرورة الالتزام بأحكام الدستور، ومبادئ الديمقراطية، وسيادة القانون، واحترام الحريات، والحقوق الأساسية، والإعلانات العالمية لحقوق الإنسان، والاتفاقيات المصادق عليها من الجمهورية العربية السورية.

من جهتها الفقرة (د) من هذه المادة والتي تنص على عدم جواز “قيام الحزب على أساس ديني، أو قبلي، أو مناطقي، أو فئوي، أو مهني، أو على أساس التمييز بسبب العرق، أو الجنس، أو اللون”، تثير بعض الإشكالات تتعلق أساسا بتشكيل أحزاب قومية عربية أو كردية أو غيرها. فالتمييز العرقي المشار إليه في هذه المادة يحتاج إلى توضيح، بحيث لا يفسر في غير صالح تشكيل أحزاب قومية.

في الواقع تتعارض هذه المادة مع وجود حزب البعث ذاته لكونه حزباً عربياً،  وتتعارض معه وفق منطوق الفقرة (و) والتي تنص على “ألا تنطوي وسائل الحزب على إقامة تشكيلات عسكرية، أو شبه عسكرية، علنية، أو سرية، أو استخدام العنف بأشكاله كافة، أو التهديد به، أو التحريض عليه”. كما أن حزب البعث هو الحزب الوحيد المسموح له العمل في الجيش، والقوات الأمنية المختلفة، وهو الحزب الوحيد الذي يستخدم قوات شبه عسكرية (الشبيحة، أو الكتائب العمالية، أو البعثية المسلحة).

“المادة السادسة” من القانون تنص على أنه “لا يكتسب أي تنظيم صفة الحزب، ولا يحق له ممارسة أي نشاط سياسي، ما لم يتم استكمال شروط تأسيسه، وإجراءاته”، وهي تثير إشكالات كثيرة تتعلق أساسا بوضعية الأحزاب تحت التأسيس. من المعلوم أن الحزب السياسي يبدأ بفكرة لدى شخص، أو عدد من الأشخاص، ومن ثم يتم الترويج لها من خلال العمل الدعاوي والسياسي. هذه المرحلة من حياة كل حزب قد تستمر سنوات قبل أن يصل الحزب إلى الوضعية  التي يسمح القانون بترخيصه. لذلك، من الأهمية بمكان، وضع نص في القانون يشرعن الأحزاب تحت التأسيس، والتي يمكن أن تبدأ عملها بتقديم علم وخبر إلى لجنة الأحزاب، وتعطى مهلة لاستكمال شروط الترخيص.

فيما يتعلق بلجنة الأحزاب (المادة 7) ينبغي أن يشكلها مجلس القضاء الأعلى، أو مجلس الشعب، ويكون أعضاؤها غير حزبيين. من جهتها المادة (9) الفقرة (د) سوف تثير مشكلات عديدة، خصوصاً، وأن الكثيرين من الذين عملوا في السياسة في المراحل السابقة في سوريا قد تم اعتقالهم، ومحاكمتهم، وصدرت بحقهم أحكام جائرة. إن الالتزام بمنطوق هذه الفقرة سوف يعني حرمان كثير من السوريين من حق تشكيل الأحزاب. لذلك لابد أولا؛ من إلغاء مفاعيل جميع الأحكام التي صدرت بحق النشطاء السياسيين السوريين خلال العقود الماضية، وتسوية أوضاعهم، وهذا بحد ذاته من المطالب الرئيسة للمعارضة الوطنية الديمقراطية، وللحراك الشعبي.

بدورها الفقرة (ب) من المادة (11) سوف تحتاج إلى تدقيق لجهة تحديد المقصود بـ”النسيج الوطني السوري” حتى لا تفسر بأنها تعيق تشكيل أحزاب على أساس قومي، وتحديداً أحزاب كردية، ومن في حكمها. ثم لماذا تمنع الأحزاب من استثمار أموالها إلا في مجال النشر والطباعة (الفقرة ج من المادة 14)، مع أنه من المفيد فتح جميع المجالات الاقتصادية، وغير الاقتصادية، أمام الأحزاب للاستثمار، وعلى أن تحمي القوانين ذلك، شريطة أن لا يستخدم الحزب هذه الاستثمارات لتحقيق مكاسب سياسية مباشرة، وأن لا يكون موجهاً لخدمة أعضاء الحزب فقط. ينطبق الأمر ذاته على المادة (27) المتعلقة بالنشاط الإعلامي للحزب، ينبغي عدم الحد منه وتقييده بصحيفة واحدة، بل فتحه ليشمل جميع وسائل الإعلام المكتوبة، والمرئية، والمسموعة.

قد تكون المادة (37) من القانون المشار إليه والتي تنص على إلغاء “جميع الأحكام المخالفة لهذا القانون”، من أكثر المواد إثارة للجدل نظراً للالتباس المتعمد فيها. السؤال هو: ما هي هذه الأحكام المخالفة لهذا القانون التي ينبغي إلغاؤها؟ فإذا فسرت كلمة “الأحكام” بالمعنى الواسع للكلمة، فهذا يعني ببساطة سقوط جميع القوانين والتشريعات الناظمة للحياة العامة خلال العقود الماضية والتي تشرعن الاستبداد، وتجرم العمل السياسي المعارض. وتعني أيضاً إلغاء جميع الأحكام القضائية التي صدرت عن المحاكم الاستثنائية، وغير الاستثنائية بحق المعارضين السوريين.

عموماً إن وجود قانون ينظم الحياة السياسية هو أفضل من عدمه، وإن القانون الحالي يعد بمجمله قانوناً جيداً يحتاج إلى بعض التعديلات ليلائم الواقع السوري.