بعد الحرب.. حين أضاع الجسد طريقه

الصورة من مخيم “واشوكاني” للاجئي “سري كانيه – رأس العين”، 15 / 9 / 2021 

تجرجره الذكرى والذكريات، كأنه خليط من الدمار ويحمله بين أضلعه الملتوية. يُحني رأسه، بين كلماته التي ضاعت في هذا العراء الموحش، وبين ضجيج الرصاص الذي مازال يملأ رأسه.

“يا رب العالمين!” كأنه يقولها  بصوت خفيفٍ – موجعٍ، وهو يفتح الصنبور.. ليبلل الماء جسده، ويتسلل إلى أعماق قدره. ماذا يقول!؟ ما الذي يفكر به!؟ يُجْهِد نفسه ليعرف الجواب وهو مستسلم لسيل الماء.. علَّه يُزيح بقايا الخراب عن جدار روحه.

الشمس حارقة، لن تغيب. وحيداً، جلس القرفصاء وغاب في حالة من تأمل مستحيل. يتذكَّر أشياء كثيرة. وعبثاً يحاول أن ينسى. تَذَكَّر بيته و”حوْشه – أرض الدار”، ووقت القيلولة في ظلال الشجر. ثم سمع صوت انفجارٍ ما. انفجارٌ كأنه ارتطم بجسده. حاول أن يتحرك.. أن ينهض، لكن قواه خانته. ظل هكذا والماء يخفف عنه – بخفة – وطأة الحرِّ، ومحنة الأيام التي خلت.

هناك، حول جسده خطوطٌ وألوانٌ، قد تبدو جميلة وهادئة، ولكنها، تبدو، أيضاً، مليئة بالبؤس. تذكره بالموتى.. بالراحلين.. بالمهجَّرين.. بالجوعى.. وبمكان بارد يقيه من القيظ. كان منحنياً بلا ملامح. وضع كفّيه على طرفي الرأس، وغاب، بين رعشة الماء وحطام الانفراد.

لا يظهر من وجهه إلا القليل. ماذا يقول!؟ وما الذي يفكر به!؟ هل هو يقول: “شو صار..!؟”، “ليش هيك صار..!؟” أم يفكر بـ “في أمل!؟ “لا.. ما عاد في أمل”. ربما، قال وفكر في شيء من هذا القبيل. وربما، هو صامت لا يتكلم، ولكنه، حتماً، يقول شيئاً، ويُفَكِّرْ بشيء.

الغريب أن لقطة الصورة تقول الكثير عن تباريح الرجل، وهواجع آلامه. القول الذي يخرج دفعة واحدة. وليس للرجل في هذه اللحظة سوى وخزات الماء الباردة وهي تتسرب من أعالي جسده إلى أسفله…

هذا المكان ضيقٌ، لن يتسع له، لأنه يتلاشى في حلمه بمكان آخر، كان مكانه، ويفكر في زمان آخر، كان زمانه. كان له فيهما حياةً: بسيطة كالماء.. كالحقول الخضراء أو الصفراء.. كصوت الأطفال وهم يلعبون. حياةً تُذَكِّرُه بصفير العصافير، والأرض الفسيحة التي تمتد أمامه. ولكن، والآن، فقط، كل شيء قرٌّ وحرٌّ، وسرااااااب في سراب.

تصوير: متين حسن – إعداد وتحرير: نور حسن