حركة أميركية جديدة ضد الصين

محمد سيد رصاص 

قبل عدة أيام تم التوقيع على معاهدة باسم  AUKUS وهي الأحرف الأولى لأسماء الدول الموقعة وهي أسترالية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. المعاهدة تنص على “التعاون الديبلوماسي والأمني والدفاعي في منطقة المحيط الهادئ (الباسفيك) – الهندي”، والمثير في الاتفاقية هي إتاحة المجال لدولة غير نووية، مثل أسترالية، من قبل واشنطن ولندن للحصول على غواصات تشتغل بالطاقة النووية، كما أن المعاهدة تشمل التعاون في المجال السيبراني والصواريخ الهجومية. أيضاً، يلفت النظر أن المعاهدة تعتبر أن المحيطين الهادئ والهندي هما منطقة واحدة، وبالتأكيد من ينظر للخريطة يفهم أن أسترالية، بشاطئيها الشرقي والغربي، هي صلة الوصل الجزيرية بين المحيطين.

في ردود الفعل الأولية، أغضبت المعاهدة فرنسا، التي عملياً من خلال التدبير الجديد الأميركي- البريطاني للغواصات الأسترالية قد حرمت (مجموعة نافال)الفرنسية من عقد بقيمة 31مليار يورو كان موقعاً مع أسترالية لتزويدها بغواصات تشتغل بالوقود التقليدي. ليس هذا المهم في المعاهدة، بل أن ما ورد فيها من عبارة “منطقة الباسفيك- الهندي” التي تعني كلمة السر للدخول إلى المعاهدة، من حيث أن الأخيرة تضع تركيزها على المنطقة الحيوية للصين. هنا، لم يتأخر رد الفعل الصيني على المعاهدة، من خلال صحيفة “غلوبال تايمز” وهي صحيفة صينية ناطقة بالانكليزية وموجهة حكومياً، عندما قالت التالي: “واشنطن تفقد عقلها عندما تحاول تحريك حلفائها ضد الصين.. وإن أسترالية لو تجرأت على استفزاز الصين…أو حتى ارتكبت حركة عسكرية تحت قناع الخطأ، فإن الصين بالتأكيد ستعاقبها بلا رحمة… والجنود الأستراليون سيكونون أيضاً أول الضحايا المحتملين من القوى الغربية الذين سيفقدون حياتهم في بحر الصين الجنوبي”. هنا، تضع الصحيفة البعد البحري الثالث للمعاهدة، أي بحر الصين الجنوبي، الذي تتحكم واشنطن بمدخله عند مضيق مالاقا، من خلال القاعدة العسكرية الأميركية في سنغافورة، الذي يتحكم بطريق التقاء المحيط الهندي مع بحر الصين الجنوبي وعبره بالباسفيك حيث تقع الموانئ الصينية، وهو ما يدفع الصين لاستئجار موانئ في باكستان وميانمار وربطها بأتوسترادات وسكك حديد مع البر الصيني من أجل تفادي الخنق البحري الأميركي المحتمل للصين عبر مضيق مالاقا. في هذا المجال، أسترالية هي حيوية لواشنطن من خلال شاطئها الشمالي، وقاعدة المارينز الأميركية في ميناء داروين القريب من أندونيسيا والفيليبين الحليفتان لواشنطن ومعهما فييتنام المخاصمة للصين في الشاطئ الشمالي لبحر الصين الجنوبي، لمنازعة الصين على ذلك البحر. إذا أضفنا اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، في الباسفيك، والهند في المحيط الهندي، فإن الصين معزولة استراتيجياً في منطقة الباسفيك- الهندي ولا تملك حلفاء سوى كوريا الشمالية وميانمار وباكستان، وحلفاء محتملين للصين، لم يحسموا أمرهم بعد ويخضعون لضغوط أميركية كبرى للابتعاد عن الصينيين، مثل الروس والكمبوديين والبنغلادشيين والسيرالانكيين. ويمكن، هنا، للباكستانيين بعد أن فازت حليفتهم وربيبتهم منذ ولادتها عام1994، أي حركة طالبان، بالسلطة في كابول في عملية وصفها الحزب الشيوعي الباكستاني ب”تسليم السلطة لطالبان من واشنطن”، أن يترددوا كثيراً في وضع بيضهم بمعظمه في السلة الصينية.

هنا، يمكن لأفغانستان أن تكون المؤشر الأميركي في الشرق الأوسط على اتجاه انسحابي أميركي من المنطقة التي لم تعد مهمة للمصالح الأميركية، لذلك أعطيت أفغانستان، وهي نقطة التقاء منطقة الشرق الأوسط مع الغرب الصيني ومع “الحديقة السوفياتية في آسية الوسطى بالجمهوريات السوفياتية المسلمة السابقة” والمجاورة لإيران المتمردة على واشنطن، لحركة طالبان من قبل الأميركان بعد فشلهم هناك في “بناء أمة”، لكي تكون طالبان أفغانستان قنبلة موقوتة تنفجر في وجه الصينيين والروس والإيرانيين لاحقاً، وهي سياسة القنابل والألغام الموقوتة التي اتبعها البريطانيون بعد تركهم لمستعمراتهم السابقة، كما في فلسطين وشبه القارة الهندية وفي العراق والسودان، وهذا ما يفسر سياسة المداراة لطالبان في فترة ما بعد 15آب\ أغسطس 2021 التي يتبعها الصينيون والروس والإيرانيون، ويمكن لتاريخ  15 آب\ أغسطس 2021 أن يكون مؤشراً لعودة الزواج بين واشنطن وحركات الإسلام السياسي السني بعد أن جرى طلاق بينهما مع انتهاء الحرب الباردة في عام 1989 بانتصار البيت الأبيض على الكرملين وما عاناه هذا الانتصار من انتفاء حاجة واشنطن للإسلاميين، تلك الحاجة الأميركية ضد السوفيات التي قادت لزواج أميركي مع الإسلاميين بدأ في خمسينيات القرن العشرين.

وهنا، يمكن ل AUKUS أن تعبر عن أين التركيز الأميركي في العالم، حيث أن الثقل الاقتصادي العالمي قد انتقل لمنطقة الباسفيك- الهندي في القرن الواحد والعشرين، ولم يعد في المحيط الأطلسي كما كان في فترة 1588-2010 بين معركة الأرمادا التي انتصر فيها الانكليز على الاسبان وحتى عام 2010 عندما أصبحت الصين هي القوة الاقتصادية العالمية الثانية، ولم يعد في البحر المتوسط الذي كان مركز الثقل الاقتصادي العالمي منذ معركة أكتيوم عام 31 قبل الميلاد مع اكتمال السيطرة الرومانية على شرق وجنوب المتوسط  وحتى معركة الأرمادا.

كتكثيف: الصين ستحتل مكان السوفيات عند الأميركان كعدو ومنافس رئيسي عالمي في القرن الواحد والعشرين. أسترالية في AUKUS هي أهم من فرنسة عند واشنطن وأهم من أفغانستان. منطقة الباسفيك – الهندي هي نقطة التركيز الأميركية. الشرق الأوسط لم يعد بالأهمية السابقة عند واشنطن كما كان في القرن العشرين.