الحطب في شتاء هذا العام وسيلة سكان دمشق وريفها للتدفئة

دمشق- نورث برس

قام مراد يحيى (48 عاماً)، وهو من سكان منطقة أشرفية صحنايا جنوب دمشق، حتى الآن بشراء نصف طن من مادة الحطب الخاص بالتدفئة، تحسباً لفقدان المادة وغلاء سعرها خلال فصل الشتاء.

وخلال الشتاء الماضي، عانت عائلة “يحيى” المكونة ستة أفراد، من نقص شديد في مادة المازوت، إضافة لساعات تقنين الكهرباء الطويلة وغير المنتظمة.

“يحيى” الذي يعمل موظفاً في وزارة الاتصالات في الحكومة السورية ويملك بسطة لبيع الدخان مساءً، يشتري في كل مرة يدخر مبلغاً من المال، عشرين كيلو غرام من الحطب أو أقل.

وعلى دفعات عديدة حتى بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر القادم، يتوقع الموظف الحكومي أن يصل إلى مخزون قدره طن واحد من الحطب.

حطب للتدفئة

ويقول إن “الحكومة غير قادرة على حل مشكلة المازوت، وأنا مجبر على التدفئة بالتناوب بين الحطب والمازوت والكهرباء، حسب المتوفر”.

ومع اقتراب فصل الشتاء، يلجأ سكان في العاصمة دمشق وريفها، لشراء وتخزين حاجياتهم من الحطب قبل ارتفاع أسعاره، في ظل قلة مخصصاتهم من مازوت التدفئة.

محطة الشعار في مدينة حماة- نورث برس

والشتاء الفائت، خفضت الحكومة مخصصات السكان من مازوت التدفئة بمقدار النصف لتصبح 100 لتر بدلاً من 200 لتر، وهذا العام خفضت الكمية إلى النصف.

وبداية آب/أغسطس الجاري، أعلنت الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية “محروقات” التابعة للحكومة السورية، بدء التسجيل على مازوت التدفئة بمعدل 50 لتراً فقط لكل عائلة.

لا مازوت منذ عامين

وتعاني مناطق السيطرة الحكومية من نقص شديد في مادة المحروقات، إذ لم تستلم عائلات مخصصاتها السنوية من مادة مازوت التدفئة منذ أكثر من عامين، رغم تسجيل معظمها للحصول على المادة عبر تطبيق “وين”.

ويضطر السكان منذ عامين لشراء المازوت من السوق السوداء بأضعاف السعر الحكومي، فيما اتخذ آخرون من الحطب بديلاً وذلك بسبب ارتفاع المازوت الحر والذي يصل سعر اللتر الواحد منه إلى 3500 ليرة سورية.

وفي العاشر من شهر تموز/يونيو الماضي، رفعت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك سعر مادة المازوت من 180  ليرة إلى 500 ليرة للتر الواحد.

وبداية الشهر الماضي، سجل “يحيى” على الدفعة المقدرة بـ 50 لتراً، “ولكن لليوم لم أحصل على حصتي، ولا أريد لأطفالي أن يعانوا من البرد كما عانوا الشتاء الماضي”.

ويبيع سكان المواد المدعومة التي تباع عبر البطاقة الذكية وخاصة المازوت، إما للتجار أو لسيارات المازوت، ويشتري العديد منهم بسعر المازوت الحطب، إذ عملية الانتظار تشكل الفارق الأكبر في هذه المسألة، بحسب قولهم.

وفي منطقة جرمانا جنوب شرق دمشق، يبيع سليمان الحميدي (41عاماً) وهو تاجر فحم وحطب، الطن الواحد من الحطب بـ 450 ألف ليرة سورية، فيما يصل في مناطق أخرى لأكثر من نصف مليون.

ويصل سعر مدافئ الوقود الكبيرة في دمشق وريفها، إلى المليون ليرة سورية.

ويقول بائع الحطب إن هناك أناس يشترون في بعض الأحيان خمسة كيلوغرام من الحطب لا أكثر، وتحديداً كبار السن ليستطيعوا حمله، بعد أن حولوا مدافئ المازوت لديهم إلى حطب.

ويضيف: “لم أتوقع في هذا الصيف أن أبيع هذه الكميات من الحطب، كنت أحاول أن أركز على بيع فحم الشواء والنراجيل، لكني تفاجأت بارتفاع الطلب الكبير على الحطب”.

مشاكل بيئية

لكن راغد شرف (56 عاماً) وهو مهندس زراعي وموظف سابق في وزارة الزراعة، ويسكن في صحنايا بدمشق يرى أن توجه السكان إلى الحطب يتسبب بمشاكل بيئة، حيث يقدم البعض اقتلاع الأشجار من جذورها، وهو ما يسمى بالتحطيب الجائر.

وفي جولة له في محافظات سورية مثل ريف دمشق والسويداء وحماة وريف طرطوس ومنطقة السلمية، لاحظ المهندس الزراعي وفقاً لما ذكره لنورث برس أن هناك “كميات هائلة من الأشجار قد قطعت، وبعضها اقتلع من جذورها”.

ويشير إلى أن منطقة الغوطة في دمشق هي الأكثر تضرراً، إذ تم قطع الأشجار المثمرة قبل الحراجية، “ومن المستحيل تعويضها”.

وتملك سوريا وبحسب “شرف” غطاءً نباتياً قليلاً بالنسبة لمساحتها، كما أن حرائق العام الماضي أتلفت مئات الهكتارات من الأشجار الزراعية والحراجية في طرطوس واللاذقية وحمص.

حرائق الغابات في اللاذقية العام الماضي

“فأشجار الصنوبر والسرو والزيتون وغيرها التي احترقت بشكل كامل أو قطعت، لا تعوض في عقود طويلة”، بحسب المهندس الزراعي.

ويمنع القانون رقم 6 لعام 2018، قطع أو قلع أشجار حراج الدولة والقيام بأي عمل من شأنه الإضرار بالحراج.

لكن “شرف” يرى أن العامل الأكبر لزيادة قطع الأشجار هو غياب الرقابة، ويتهم “الشرطة الحراجية بأنها تتلقى رشاوى، والبعض منهم يعملون في تجارة الحطب”.

ويضيف: “إذا ما تم تطبيق القانون قد نستطيع أن نبدأ في البحث عن حلول، لكن لليوم مازال حاميها حراميها.”

إعداد: حنين رزق – تحرير: سوزدار محمد